المقتبسون من علومه من كلّ فجّ عميق من كلّ مكان مسرعة وأيّ سرعة لتعرض عليه ما أشكل عليهم ، وكان قدسسره يجيب عن مطالبهم ، وتقدّم في صدر العنوان الكرامات التي ظهرت منه في مكّة المشرّفة.
وكان سبب مقامه في مكّة هذه المدّة الطويلة أنّه قدسسره تأخّر عن موسم الحاجّ تلك السنة فبقي هناك إلى العام القابل لإدراك الحجّ فاشتغل بالتدريس في المذاهب الأربعة على سبيل الإلزام والإفحام حتّى أنّه قال في حقّه بعض أولئك الأقوام : لو كان حقّا ما يقوله الشيعة الإماميّة في مهدويّة ولد الإمام العسكري عليهالسلام لكان هذا السيّد المهدي هو ذلك الإمام.
ثمّ إنّه قدسسره مع كتمان إيمان عن المخالف بما لا مزيد عليه يتوقّع إن لم يظهروا على حاله اليوم سيظهرون عليه غدا ، فأوقع الله في روعه : (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً)(١) فخرج إلى مسكنه بالعراق في المشهد الغروي.
ومن طريف ما نقل عنه قدسسره أنّه سافر إلى المشهد الرضوي في جمع كثير من الإيرانيّين والعراقيّين ، فبينما هم سائرون فإذا بجماعة التركمان هجموا على الزوّار وأخذوا بالنهب والأسر ، فإذا برجل منهم نظر إلى بحر العلوم فصاح بأعلا صوته : يا جماعة ، أمسكوا عن النهب والأسر وردّوا أموالهم وكلّ ما أخذتم ، وأكرموا هذا الركب لأنّ فيهم أستاذي بحر العلوم الذي لا يجوّز سبّ السلف ، وجاء وقبّل رجل بحر العلوم وأمر أتباعه بإكرام الزائرين وإيصالهم إلى المأمون.
فنظر بحر العلوم إليه فعرفه وكان من قصّته أنّ الرجل التركماني كان يتلمّذ برهة من الزمان عند بحر العلوم في النجف الأشرف واتفق أنّه ناظر واحدا من طلبة العلم
__________________
(١) الكهف : ٢٠.