نهجه في جهاد عدوّ الله بالعين القارّة والصدر المشروح ، والدعاء لمقامكم العلي بالعز الرفيع الصّروح ، فإنا كتبناه إليكم ، كتب الله لكم سبوغ المواهب ، ووضوح المذاهب ، وعزة الجانب ، وظفرة الكتائب. من حمراء غرناطة حرسها الله ، ونعم الله واكفة السحائب ، كفيلة بنيل الرغائب ، والله يصل لنا ولكم عوارف اللطائف ، ويجعل الشّهيد دليلا على الغائب. وإلى هذا وصل الله إعزازكم ، وحرس أحوازكم ، وعمر بالحقيقة من أمراد مجازنا ومجازكم. فإنّا بادرنا تعريفكم بما فتح الله علينا من الثغر العزيز على الإسلام ، العائد رزؤه الفادح على عبادة الأصنام ، ركاب الغارات ، وممكّن حياة المضرّات ، ومخيف الطريق السابلة ؛ والمسارح الآهلة ، حصن برغة. ويسّر الله في استرجاعه ، مع شهرة امتناعه ، وتطهّر من دنس الكفّار ، وأنيرت مئذنته بكلمة الشهادة الساطعة الأنوار ، وعجلنا ذلك على حين وضعت الحرب فيه أوزارها ، ووفت الأوتار أوبارها ، فسار الكتاب إليكم ، وأجير الأجر لم يجفّ عرقه ، وعذر الاستعجال لاحبة طرقه. ولما عدنا إلى حضرتنا ، بعد ما حصّناه وعمّرناه ، وأجزلنا نظر الحزم له وفرقناه ، لم تكد البنود لمسرّة فتحه أن تعاد إلى أماكن صونها ، مرتقبة عادة الله في عونها ، حتى طرقت الأنباء السارة بتوالي الصنع وانفراده ، بتشفيع أفراده ، وذلك أن أهل رندة ، حرسها الله ، نافسوا جيرانهم من أهل مالقة ، كان الله لجميعهم ، وتولّى شكر صنيعهم ، فيما كان من امتيازهم بحصن برغة ، الجار المصاقب لها ، فحميت هممهم السنيّة ، وهانت في الله موارد المنيّة ، وتضافر العمل والنيّة ، وظهر نجح المقاصد الدينية في إتاحة الفتوح الهنيّة ، فوجهوا نحو حصن وحبر ، وهو الداين صحر المدينة ونحرها ، والعدوّ الذي لا يفتر عن ضرّها ، والحيّة الذكر التي هي مروان أمرها ؛ ففتحوه بعون الله وقوته ، وتهنّوا بعده سلوك الطريق ، وإشاعة الريق ، ومراصد الحرس ، ومجلوّ الجرس ، وأنصفوا ، وانصرفوا إلى حصن باغة ، من مشاهد تلك الحفرة ، فناشبوه القتال ، وأذاقوه الوبال ، وفوقوا إليه النّبال ، ففتحه الله فتحا هينا ، لم تفتّ فيه للمسلمين نفس ، ولا تطرّق لنصر التيسير لبس ، فقابلنا بها لشكر هذه النعم المتوالية ، والمنن المتقدّمة والتالية ، وأعدنا الأعلام إلى مراكزها المشرفة المراقب ، والطبول إلى قرعها عملا من الإشارة بالواجب ، وشكرنا الله على اتصال المواهب ، ووضوح المذاهب ، وخاطبنا مقامكم الذي نرى الصّنائع متواترة بنيّته الصالحة وقصده ، ويعتد في الحرب والسلم بمجده ، علما بأن هذه المسرّات ، نصيبكم منها النصيب الأوفى ؛ وارتياحكم إلى مثلها لا يخفى. ونحن نرقب ما تنجلي عنه هذه النكايات التي تفتّت كبد العدو تتاليها ، وتروع أحوازه وما يليها ، ولا بدّ له من امتعاض يروم به صرع المعرّة ، ويأبى الله أن ذلك يأتي بالكرّة ، والله يجعلها محركات لحتفه المرقوب ، وحينه المجلوب ، ويحقق حقّ القلوب ، في نصرة المطلوب ، عرّفناكم بما تريدون