(٤)
مع حلول شهر رمضان تتداعى إلى ذاكرتي صورة أحد شيوخ الحرم النبوي الشريف ، تلك الصورة المكللة بجلال الإيمان ، ويتسلل إلى نفسي صوته الجهوري الأخاذ الذي كان يرتفع في مسجد المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليجسد سيرته العطرة كل صباح ومساء. وليتتبع أحاديثه الكريمة ويفند مروياتها لم يكن يومها ينظر إلى كتاب وإن كان الكتاب أمامه. ولا يتعثر في لغة فهو فصيح في عربية اللسان لغة القرآن الذي كان يستهدي بآياته. ولغة الأرض التي ينتمي إليها بعراقة الدين قبل عراقة النسب.
هو أحد الذين سمعتهم من علماء الحرمين الشريفين ، كالشيخ محمد الأمين الجكني. والشيخ محمد نور سيف ـ رحمهماالله ـ يتعمقون في أغوار هذه اللغة فيأتون بالفصيح منها ، ويتجتبون عثرات اللحن في أدائها. ويسلكون مسالك البلغاء الذين تنثال كلماتها على ألسنتهم بعذوبة وصفاء تأتّى لهم أن يتحدثوا إلى الناس فيسمع لهم. ويرفعوا أصواتهم فتشرئب الأعناق إليهم.
هذه نبذة يسيرة من سمات الشيخ محمد المختار بن محمد سيد الأمين الجنكي ١٣٣٧ ـ ١٤٠٥ ه ، الذي أنبتته عالما أرض شنقيط ، ثم هاجر إلى المدينة المنورة في عام ١٣٥٦ ه ، وتلقى العلم فيها على يد الشيخين عمر السالك ومحمد الحسن ـ رحمهماالله ـ ثم دخل مكة المكرمة في عام ١٣٥٩ ه ، وسمع من علمائها كالشيخ حسن المشاط. والشيخ محمد العربي التباني ـ رحمهماالله ـ كما دخل الرياض وجلس إلى علمائها ومنهم الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمهالله ـ ولقد دعاه الشيخ ابن إبراهيم في سنة ١٣٧١ ه ، للتدريس بالمعهد العلمي بالرياض. فمكث مدرسا به لمدة ست سنوات.
وفي سنة ١٣٧٨ ه استقر به المقام في المدينة المنورة ، حيث عين مدرسا بدار الحديث ثم مدرسا في الجامعة الإسلامية بعد تأسيسها.
لم يكن الشيخ المختار ـ رحمهالله ـ شحيحا في العلم الذي مكن له أساتذته في جامعة الإسلام الأولى ، مسجد الرسول ـ صلىاللهعليهوسلم