أديب أهمله بنو قومه
الأستاذ عبد السلام هاشم حافظ
ليس غريبا أن يولد الناس شعراء في بلد المصطفى ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فلقد كانت المدينة موطنا للشعر منذ العصر الجاهلي فبالإنشاد الذي عرف بأنه سابق للكلمة الموزونة أو رديف لها ولا حق لبدايتها بذلك الإنشاد أرشد بنو النجار النابغة إلى موضع الإقواء في شعره وبالإنشاد ـ أيضا ـ استقبلوا فرحين هادي الأمة ـ صلىاللهعليهوسلم ـ في قباء وكان منهم هتاف الروح الذي تجاوبت معه كل ذرات الوجود وفي كلماتهم تجسد الحب الذي صنع المجتمع الإسلامي فكان كالبنيان المرصوص والجسد الواحد الذي لا يصيبه وهن ولا يعتريه باطل ولا تخترقه الأكاذيب والتخرصات.
وحتى عند ما خفت صوت الكلمة الشاعرة إلى حين في بعض المواطن من العالم العربي كانت المدينة تمثل الموطن الذي يحتمي به الشعر من عوائد الدهر ونوائبه وتتحصن موسيقى الكلمة بجباله الشاهقة وأطمه المنيعة ويولد بين ظلال نخيله الصوت الحسن والوجدان الصادق وما علينا إلا أن نعود إلى حقبة القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين حيث كان الأدب يتجافى عن التجربة الحية والكلمة تثقلها قيود البديع ويحد من حركتها جفاف المصطلح حيث توارت الفصحى التي نزلت بها آيات القرآن وتحدث بها بلغاء العرب وبلّغوا بها رسالة الإسلام ودعوة الحق ، في تلك الحقبة التي كان يبحث فيها الناس عن شعر يجسد واقع الأمة ويبعث في أبنائها تلك الروح التي اعتراها الخمول وذهب بانطلاقتها التخلف والجمود في الحقبة نفسها عرفت المدينة من يجلس للدرس بين سواري مسجدها صباحا وينشد الكلمة الشاعرة في منتديات الأدب فيها ليلا ولقد خلدت «أبارية» برادة و «أنورية» العشقى روائع الشعر ونفائسه وإذا ما عاد الدارسون اليوم إلى نماذج من شعر عبد الجليل برادة وإبراهيم الأسكوبي ومحمد العمري فإنهم لن يترددوا في القول إن التجديد في الشعر في العصر الحديث عرفته جزيرة العرب كما عرفته ديار مصر والشام وغيرها من أقطار الإسلام والعروبة.