جمع بطون قريش وجود النبي ، وتجاهلوا ما قاله ، ووجهوا كلامهم للخلّص من أصحابه قائلين : « إن النبي قد غلبه الوجع ، حسبنا كتاب الله » أن النبي يهجر حسبنا كتاب الله استفهموه! إنه يهجر!!! القرآن وحده يكفينا ولا حاجة لوصية الرسول!!!
احتج الخلّص من أصحاب النبي على هذا التصرف المستغرب ، واصطدموا مع جمع البطون ، وعلت الأصوات بين أصحاب النبي الخلًص القلة ، وبين الكثرة من بطون قريش ، وتنازعوا ، فأطلّت النسوة من وراء الستر ، وقلن : ألا تسمعون رسول الله يقول : قرّبوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده؟ فنهرهن أحد الصحابة قائلاً لهن : « إنكن صويحبات يوسف » هنا تكلم النبي فقال : « إنهن خير منكم » ما أنا فيه خير مما تدعونني إليه ، قوموا فلا ينبغي عندي تنازع!! وهكذا صرف النبي النظر عن كتابه توجيهاته الخطية ، إذ لو أصر النبي على الكتابة لأصرت بطون قريش في ما بعد على أن الكتابة قد صدرت عن النبي وهو يهجر حاشاه ، مع ما يستتبع ذلك من خطر ماحق على دين نفسه ، وهكذا نجحت بطوتن قريس ومن لف لفها يإخراج النبي من التأثير على سير الأحداث بلحظات حاسمة ، وحرقت الأمة والعالم من الاستفادة من توجيهات النبي النهائية الخطية. وما ذكرناه حقائق رواها البخاري في صحيحه في ست روايات ، ورواها مسلم في صحيحه والنووي في شرحه على صحيح مسلم وابن القيم الجوزي في تذكرة الخواص ، وأبو حامد الغزالي في سر العالمين ، وكشف ما في الدارين ، ولا خلاف إطلاقاً بين المسلمين على صحة وحقيقة هذه الوقائع ، وهكذا صدمت بطون قريش خاطر النبي الشريف ، وقصموا ظهر الإسلام بالفعل. وتلك حادثة فريدة من نوعها في التارنخ السياسي إسلامي ، فما من خليفة على الإطلاق إلا وقد مرض قبل موته ، واشتد به الوجع أكثر مما اشتد الوجع برسول الله. وما من خليفة على الإطلاق إلا وقد كتب توجيهاته النهائية أثناء مرضه ، وقبل موته ، ولم يصدف على الاطلاق أن قال أحد لأي خليفة من الخلفاء أنت تهجر ، أو أن الوجع قد اشتد بك ، وأنه لا حاجة لنا بوصيتك ، ولا بتوجيهاتك لأن القرآن عندنا وهو يكفينا ويغنينا عنك!!. بل على العكس فقد كانت وصايا الخلفاء وهم على هذه الحالة تنفذ كأنها وحي إلهي