الأمر؟ هل أستسنّ بسنّة أهل المشرق الذين يفضلون ذكر الرجال على النساء أم أحذو حذو الإنكليز في ذكر السيدات قبل الرجال؟ فقال لي السيد بحذقه وذكائه المعهودين : " أنحن في الشرق أم في بلاد الإنكليز؟ أما يجب علينا أن نستسنّ بسنّة القوم الذين نحن مقيمون في بلادهم؟ فوجّه خطابك إذا ـ أيها الفقيه ـ أولا إلى السيدات. ثم أردفهن بذكر الرجال ، فنكون مثل باقي الناس ولا بأس". فلمّا سمعت ذلك السيدات الحاضرات في المحفل رفعن أصواتهن بسرور ، وقلن : " حبّذا! حبّذا سيّد اللطفاء وسلطان الظرفاء! "
ثم طفق الفقيه المومأ إليه يخطب ، واستهل خطابه بذكر السيدات ، وقال : " أيتها السيدات الكريمات ، وأيها السادات الكرام : قد أثّر مديحكم ـ غاية التأثير ـ في نفس سعادته ولم ينس عمره بطوله ما إسديتموه إليه من الثناء والترحاب بالتحبيذ والتبجيل وقال : لو كانت كل جوارحه لسانا لما قام حقّ (١) القيام بتقديم الشكران على أفضالكم الأثيلة ، ولو لا ضيق الوقت لكان أوعز إليّ أن أطيل الخطاب في الردّ على ما أبديتموه نحو سعادته من التعظيم والتفخيم". قال هذا وطأطأ برأسه إكراما للحاضرين ثم جلس.
ثم نهض رجل من أعضاء الجمعية الجغرافية ، وقال : " قد بلغ مسامع أعضاء هذه الجمعية أن أهالي زنجبار يقتلون الأفيال عند قنصها ليخرجوا أسنانها وباقي عظامها ويتاجروا بها. وكان حقهم أن يستحيوا (٢) الأفيال عند قنصها ويستخدموها في مهمات العيشة بعد قلع أسنانها".
فترجم الفقيه باجر كلام ذلك الخطيب لسعادة السلطان. فقال السيد في جوابه بحذق وذكاء : " قل أيها الفقيه لحضرة الخطيب : أن الله سبحانه وتعالى لا يسأل مخلوقا عن شيء لا يعرفه ، ولا يطالبه يوم الدين بأمر لم يدر طريقة عمله بصواب. ونحن معشر الافريقانيين لا نعرف طريقة قنص الأفيال دون قتلها ، فليأت هذا الخطيب البارع إلى أفريقية ويعلمنا طريقة
__________________
(١) ب : لقصّر في حق
(٢) ب : يستأنسوا