ترك البلاد العثمانية وذهب إلى برلين عاصمة محالفتنا ألمانيا ، فأكد أواصر المحبة والوداد ، وبذر بذور الاتفاق ، فكانت له اليد الفعالة بإيجاد هذا الاتفاق الذي كان الحياة الكبرى للأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها.
ولم يشعر دولة الزائر الكريم بتعدي أعداء الإنسانية على طرابلس الغرب حتى هجر مضجعه ، وذهب قاصدا هاتيك الأصقاع ، ولقد كان لبيروت في ذلك الحين حظ من زيارته الخفية ؛ حيث بات فيها ليلة واحدة وسافر إلى «برقة» فأخذ يعضد المجاهدين ، ولبث بينهم زمنا غير يسير فعرف المسلمون في الأنحاء المغربية أن رجال الحكومة هم أليق الناس في الأمة لخدمة الإسلام والمسلمين ، ولا يزال اسم «أنور باشا» محترما ، لا يذكر إلا بكل تعظيم وتكريم.
انطلق من البلاد الإفريقية بحرها إلى الأصقاع الأوربية بقرها ، فحارب في صفوف الجيوش العثمانية في الحرب البلقانية ، ولما شعر بأن الضعف منشئوه من الشيوخ القابضين على زمام الحكم في الباب العالي قام بأمر الانقلاب الأخير ، فأزال وزارة الذين كادوا يودون بدولة الإسلام والمسلمين إلى الدمار ، ثم اندفع برجاله إلى بولاير فأوقف جيوش الأعداء ـ وزحف على أدرنة فاستردها ، وتمكن بفضل سيفه وسياسته من حفظ كيان الدولة العثمانية ، وأرجع إليها شيئا من السمعة التاريخية التي أضاعت قسما منها سوء سياسة تلك الوزارة.
تولى بعد هذا وزارة الحربية فأعارها اهتمامه واعتناءه ، ولم تمض مدة قليلة حتى أتم عددا كبيرا من المصانع الحربية والاستعدادات العسكرية ، وما كاد يعلن قانون العسكرية الجديد الذي يجعل الأمة العثمانية دولة في مصاف الدول المنظورة حتى أعلنت الحرب العامة ، ولو لا سيف زائرنا الكريم وسياسته لكانت الأمة العثمانية لا تعلم مستقرا لها في هذا العالم.