السلطان نفسه ، وعفوا عن كثيرين ، فلم يبق سوى أربعة عشر ألفا يخرج منهم الصبيان والبنات الذين أدى الصليبيون فداءهم ، وأغضى عن جواهر الصليبيين وناضهم من الذهب والفضة ، فكان يخرج من القدس حرا بدون منازع ، وعامل النساء من الفرنج معاملة لا تصدر عن أرقى رجل مهذب في القرون الحديثة. ذكروا أنه كانت بالقدس ملكة رومية متعبدة مترهبة استعاذت بالسلطان فأعاذها ، ومنّ عليها وعلى من معها بالإفراج ، وأبقى عليها من مصوغات صلبانها الذهبية المجوهرة ونفائسها وكرائم خزائنها ، وكذلك خرجت زوجة الملك المأسور كي وهي ابنة الملك أموري وكانت مقيمة في جوار القدس مع مالها من الخدم والخول والجواري فاستأذنت بالإلمام بزوجها وأقامت عنده ، وكان مقيما في برج بنابلس أسيرا يرسف في قيده. وخرج البطرك الكبير الذي للفرنج ، ومعه من أموال البيع والمساجد منها الصخرة والأقصى والقيامة وغيرها ما لا يعلمه إلا الله تعالى ، وكان له من المال مثل ذلك فلم يعرض له صلاح الدين ، فقيل له ليأخذ ما معه يقوي به المسلمين فقال : لا أغدر به ولم يأخذ منه إلا عشرة دنانير إلى غير ذلك من مزاياه العالية التي علم بها أعداءه كيف تكون مكارم الاخلاق.
رحل السلطان إلى عكا ومنها إلى صور ، وقد حصنت بالرجال وحفر خندقها من البر إلى البحر ، ونزل على صور وحاصرها وضايقها وطلب الأسطول فوصل إليه في عشرة شوان فاتفق أن الفرنج كبسوهم في الشواني وأخذ خمسة شوان ولم يسلم من المسلمين إلا من سبح ونجا وأخذ الباقون ، وطال الحصار عليها فرحل السلطان عنها في الشتاء وأقام بعكا وأعطى العساكر الدستور فسار كل واحد إلى بلده وبقي السلطان بعكا وقد قنع الفرنج بصور ، وأرسل إلى هونين ففتحها بالأمان كما فتح قلعة أبي الحسن من عمل صيدا وشقيف أرنون وأقام رجالا على صفد وكوكب يحاصرونهما وهما حصنان عظيمان للداوية والاسبتارية وكان شديدا على رجال هاتين الرهبنتين لما عرفوا به من الشجاعة والمكر ويقتلهم في الغالب إذا وقعوا في يده فلم يبق للفرنج من كل ما كان لهم في فلسطين من المدائن والثغور سوى صور استصفيت كلها. ولما انسلخ الشتاء (٥٨٤) سار السلطان من عكا بمن معه بعد أن ولى أعمال الخليل وعسقلان وغزة والداروم وما والاها ، وأمر بنقل الغلات من البلقاء لتقوية الفلاحين وإعانة المقطعين وكذلك أمر بنقل الغلات من مصر إلى