بالقاهرة شحنة وتكون أبوابها بيد فرسانهم ، ويكون لهم من دخل مصر كل سنة مائة ألف دينار.
ولكن الحال في مصر لم يسر سيرا حسنا لأن الفرنج لم يخلصوا ، ومن الخطإ الفاحش استنجاد شاور وزيرها بهم واستعانته بهم على إخراج أسد الدين شيركوه منها فأرسل الخليفة العاضد يستغيث بنور الدين (٥٦٤) ثانية وكان الفرنج ملكوا بلبيس وحصروا القاهرة ، فأحرق شاور مصر لئلا يملكها الفرنج وأمر أهلها بالانتقال إلى القاهرة وبقيت النار تحرقها أربعة وخمسين يوما ، وصانع شاور الفرنج على ألف ألف دينار.
ولما قارب شيركوه مصر للمرة الثالثة هرب الفرنج وخلع عليه العاضد وأجرى عليه الإقامات ، وماطله شاور فيما كان بذل لنور الدين من تقرير المال وإفراد ثلث خراج مصر ، وعزم شاور أن يقبض على شيركوه فقبض العسكر النوري عليه وقتل ، ودخل شيركوه القصر فخلع العاضد عليه خلع الوزارة ولقبه الملك المنصور أمير الجيوش وتولى شيركوه الأمر شهرين وخمسة أيام ثم هلك ، فأحضر العاضد صلاح الدين وولاه الوزارة ولقبه بالملك الناصر ، وثبتت قدم صلاح الدين بمصر أنه نائب لنور الدين ، وتمكن منها وضعف أمر العاضد فكان لا يجري في القصر صغيرة ولا كبيرة إلّا بأمر صلاح الدين ، وأصبح يدعى له على منابر مصر بعد نور الدين.
بعض غزوات نور الدين :
ولم يغفل نور الدين في غضون ذلك عن الإثخان في الفرنج وإرهاف الحد في قتالهم ، وقويت عزيمته بعد أن أخذ حارم وبانياس (٥٥٩) على التقدم في فتوحه وكان كلما طالت أيامه أيقن أن القوة القليلة المنظمة أفعل من القوة الكبيرة المبعثرة. ولم ينغصه في عمله سوى مقاومة أحد إخوته أمير ميران له حتى اضطره الى حربه فمضى أخوه أمير ميران إلى صاحب الروم وعفا عنه نور الدين. كأن السعادة التي أقبلت على هذا الفاتح من كل وجه أبت الطبيعة إلّا أن تكدرها عليه بمشاكسة أحد إخوته له ، وكان بالأمس لما أرجف بموت نور الدين في حلب قام يطالب بمملكة أخيه فحاربه ، واليوم يحمل أخاه على دفع عاديته ثم يتجاوز عما بدر؟؟؟ من سيئاته.