وعامّة المالطيين يجعلون أقذارهم في وعاء تحت السرير فلا طاقة لأحد على أن يدخل مراقدهم في الصباح ، ولا بدّ من أن يرقد الرجل مع زوجته وإن تقادم عليهما الزواج وهرما فيه وأروحا (٧١). فأمّا الأوباش والسفلة فتراهم راقدين في الهاجرة على حافّات الطرق كبّا على وجوههم. وقد جاء في الحديث : «نوم الشياطين على وجوههم». وإذا زرت موسرا منهم بادر إلى أن يريك ما عنده من الفرش والأثاث ، وقبل كل شيء يريك فراشه. ولم تجر العادة عندهم أن يتّخذوا فرشا للزائرين كما في بلادنا. وممّا حرم منه أهل مالطة من أسباب الترفّه والاستراضة الاستواء على الأرائك والزرابي الوثيرة ، فلا يقعدون إلا على الكراسي ، نعم إنّهم يتّخذون متكآت من خشب ولكن من دون نمرقة عليها ولا حشية ، وناهيك بمن يقعد يومه كلّه على كرسي خارج منزله ، أو يظلّ واقفا كالتجار ، ثم يأتي منزله ليقعد على كرسي ، فكأنّما لسان حالهم يقول ما قال أبو نواس : «وداوني بالتي كانت هي الداء» أو ما قال الأعشى :
وكاس شربت على لذة |
|
وأخرى تداويت منها بها |
أو ما قال ابن دريد في مقصوته :
حينا هي الداء وأحيانا بها |
|
من دائها إذا يهيج يشتفى |
أو ما قاله البحتري :
تداويت من ليلى بليلى في الهوى |
|
كما يتداوى شارب الخمر بالخمر |
فائدة يحسن استطرادها (٧٢) هنا وهي : إن مداواة الشيء بنظيره لا بنقيضه ليس من مخترعات أطباء النمسا كما شاع ، فقد ذكر العلامة الدميري في كتاب «حياة الحيوان» عند ذكر النحل ما نصّه : «روى البخاري ومسلم والترمذي عن أبي سعيد
__________________
(٧١) أروح الشيء : أنتن. (م).
(٧٢) في الطبعة الأولى : استطارها أي : تسطيرها ، وهي أصوب من قوله استطرادها ، لأن الفعل استطرد لا يتعدى بنفسه ، بل يتعدى باللام أو بفي. فيقال : استطرد له ، أو استطرد فيه. (م).