والإتقان إلا أعمل المالطية وثيق متين فإذا اشتريت مثلا حذاء أو ثوبا مخيطا بقي مدّة لا يحتاج إلى تصليح. أما عمل الإنكليز منها فحسن في الظاهر لكنّه لا يبقى على الاستعمال ، وعمل الفرنسيس ما بينهما. ومن الرسوم الحسنة في مالطة أنّه إذا أراد أحد شراء شيء من الفضّة والذهب ذهب إلى قيم الصنعة وسأله عن قيمته ، فيزنه ويكتب له تذكرة بذلك ، فأمّا الجعل (٥٦) فموكول إلى التراضي ، والغالب في مشترى الجواهر أن يكون أنقص من التثمين.
ممّا يكره في مالطة
وممّا يكره بمالطة كثرة المتسولين وإلحاحهم بالسؤال حتى إنهم يقرعون الأبواب وقت الغداء ويجرون مع الماشي ، ولا يبرحون مستجدين حتى يفوزوا بشيء وهم يرون أن حقّا على الموسرين أن يواسوهم بأموالهم ، وإذا أعطيت أحدهم مرّة فكأنّما قد دوّن ذلك عليك في الدستور ، فأينما يرك يلزمك. وأول كلامهم في الاجتداء قولهم «عن روح مسيرك» أي أبيك أو «عن أرواح البوركاتوريو» أي المطهر ، وكان بعضهم يقول لي «عن روح المحمد تيعك» ، والتوسل في باريس ولندرة ممنوع.
ومما يكره أيضا ما عدا طنطنة أجراس الكنائس المتتابعة أصوات الباعة الذين يطوفون في الأسواق لبيع الفاكهة والبقول والسمك والحليب والماء ، فإن فغر أفواههم ، ومطّ اصواتهم ، وفظاعة لحنهم على اختلاف معنييه لممّا يستعاذ منه. كيف لا وهم يقولون للتفاح : تفّيح ، وللرمّان : رمّين ، وللبطيخ : بتيح (بالحاء المهملة) ، وللخيار «حيار» (بالحاء المهملة أيضا) وللإجاص «لنجاس» بكسر اللام وسكون النون ، وللدلاع «دليع» وللخبز «حبس» وللماء «للما» (بكسر الام الأولى وسكون الثانية وقصر الألف) وللخوخ «حوح» (بالحائين المهملتين) وما أشبه ذلك. فلا يمكن للعربي استماع ذلك ولا سيّما إذا كان في اليوم مرارا من أشخاص ذوي شراسة وفظاظة.
وعلى ذكر الخوخ يحسن هنا إيراد ما قاله بعض الأدباء وفي الناس من يبدل الخاء
__________________
(٥٦) الجعل : بضم العين وفتحها وسكون العين : ما يجعل للعامل من أجر. (م).