له في المطالّ المرتفعة الكاشفة على البحر أن يأكل أو يشرب أو يدخّن احتراما لنساء الإنكليز وفي شواطي البحر حيث يعوم الناس مدّة خمسة أشهر لن ترى كنّا (٤٢) أو عرشا (٤٣) أو خيمة وإنما ينصب السابح حرّ وجهه للشمس فيحترق قبل طلوعه من الماء. وفي الحقيقة فإن الإنكليز جعلوا مالطة خالية عن المنازه والمثابات السارّة أصلا.
ومن أعظم أسباب الحظ (٤٤) عند المالطيين الذهاب في القوارب ليالي الصيف ليغتسلوا في البحر ، فتذهب الرجال والنساء معا ويقضون هزيعا من الليل بالسباحة والغناء.
والقوارب في مرسى فالتة كثيرة جدّا وكلّها مصبوغ ظريف ولكن ليس فيها مقاعد كقنج مصر ، ولا زرابي أو زخرفة كقوارب الأستانة (٤٥) إلا أن هذه خطر على راكبها ؛ فإنها لخفّتها تميد من أدنى شيء. ولقائل أن يقول إن المالطيين هم مثل الإنكليز في كونهم لا يلاحظون في لوازمهم سوى مجرد المصلحة بقطع النظر عن الترفه والطلاوة ، فإن متكآتهم ورواشينهم وكراسيهم وقواربهم وسروج خيلهم ليست مجعولة إلا لقضاء الحاجة فقط. وأغرب من ذلك حوانيتهم فإن التاجر لا يزال واقفا من الصباح إلى المساء وقلّ من كان عنده كرسي له أو للمشتري ، وفي هذا الأخير خالفوا الإنكليز.
ويقولون للقارب «دعيصة» وكأنه تصغير دعصة الرمل ، شبهوه بها لاستدارته وصغره ، وهذا دأب العرب في أنّهم يسمّون الأشياء الغريبة عنهم بما ألفوه في بلادهم ، فإن قلت إذا كان هذا دأب العرب فمن أين للمالطيين ذلك؟ قلت لا ينكر أحد أن اللغة المالطية هي عربية وأن المسلمين حين استولوا عليها (أي الجزيرة) كما مرّ هم الذين سمّوا هذه الأشياء وإنّما لم يقولوا قاربا مع كونها عربية فصيحة ، لأن في اللغة المالطية أشياء كثيرة عدل بها عن استعمالها الأصلي ، واستعير لها اسماء مشابهة لها ، أو مجاورة ، فيقولون مثلا للقليل : «فتيت» ، بسكون الفاء وكسر التاء
__________________
(٤٢) الكن : ما يستر من الحر والبرد. (م).
(٤٣) العرش : المظلّة من قصب ونحوه. (م).
(٤٤) الحظ : السعادة والانبساط. (م).
(٤٥) وردت في الطبعة الأولى إسلامبول. (م).