وأقدم ملهى بلندرة هو المسمى «دروري لان ثياطر» ، ولكن بناءه غير قديم ، فإنه أحرق مرتين وهدم مرة واحدة ، وأخسّها المحل المسمى فيكطوريا ثياطر ، كما أن فيكطوريا بارك هو أخسّ الغياض ، وفيكطوريا كافي هوس أخسّ محال القهوة ، وأكثر مواضع اللهو هذه تشرف بحضرة الملكة ، وحينئذ يمكن للغني والصعلوك أن يراها وزوجها وأولادها ، إلا أن الغالب أنه متى ذهبت إلى ملهى ما تنافس الناس في الذهاب إليه ، فتغلو المقاعد بحيث لا يعود يتبوأها إلا أهل الاستطاعة ، وربما أرخيت ستارة المحل الذي تقعد فيه ، وليس حضورها بمانع مما ألفها اللاعبون والمتفرجون ، فقد شاهدت مرة بحضرة زوجها وأولادها زمرة اللاعبين مقبلين بعصيّ عليها أصناف كثيرة خسيسة من جملتها زوج نعال.
عن التمثيل والممثلين
واعلم أن التمثيل في الملهى يتجاذبه نوعان من التاريخ والأدب ، وفيه تمثل الحوادث والوقائع الماضية فتصير كأنها مشاهدة بالعيان ، وفيه تنشد الأشعار الرائقة والقصائد البليغة ، ويقع من المحاورات الأدبية جدّا وهزلا ما يسرّي به عن الثكلى حزنها ، وكل ما يقال فيه فهو من الكلام الفصيح الذي تستعمله علماؤهم وأدباؤهم ، فإن أعظم شعراء الإفرنج ألّفوا فيه ، وما من خطيب مصقع أو أديب بارع إلا ودوّن شيئا من هذه المحاورات.
ومن طريقة اللاعبين فيه أن يخصّصوا كل شخص منهم بحال ، فمن كان مديد القامة ، جهير الصوت ، أبتع (٣٢٦) ، خصّصوه بأن يمثل الأمور التي فيها الحماسة ووعيد وتذمير(٣٢٧) ، ومن كان لطيفا رخصا خصّ بما شأنه الاستشفاع والملاطفة والتملق ، ومن كان حزقّة (٣٢٨) خصّ بالأمور السخريّة المضحكة ، وقس على ذلك. ولو عرفت
__________________
(٣٢٦) أبتع : ممتلئ (م)
(٣٢٧) التذمير : الحض والتشجيع (م)
(٣٢٨) حزقّة : تقال للرجل القصير الذي يقارب خطوه لقصره ، أو لضعف بدنه (م)