دمياط ، لما بلغني عنها من كثرة سمكها وأطيارها ، ورخص أسعارها ، وكان بي نهم إلى أكل السمك شديد ، وقرم إلى العصفور ما عليه من مزيد ، وقد قال في الأول ، من أجاد القول جدا وهزل :
ما إن ندمت على شراء الحوت في |
|
وقت وإن أفرغت فيه الكيسا |
إن كنت أنفق فيه فلسا واحدا |
|
ألقاه فيهقد استحال فلوسا |
فلم أكد أبلغ ساحلها ، حتى رأيت صيادا قد ألقى شبكته في البحر وهو مبتئس ولها ، وفي طلعته سمة الضجر فتقدّمت إليه ، وسلّمت عليه ، فقلت أجذب الشبكة باسم الله على بختي ، وإن كنت أعهده يمر دائما من تحتي ، فإن اشتملت على حيتان صغيرة ، أدّيت إليك قيمتها موفورة ، وإن حوت الكبيرة ، كان لي أن أنال منها مجانا حصة وفيرة ، فرضي بذلك ، وقال حسبي الله الولي المالك ، فلما أخرجها إذا بها قد استوعبت من كبار السمك ، ما لم يكن عهد مذ درج وسلك ، فجاد عليّ منه بحصة ، وقد أجرضه من الشرط غصّة ، فأوقدت جنبه نارا ، وبعثت إلى السوق من اشترى لي خبزا وعقارا ، وملحا وأبزارا ، ومازلت أشوي وألتقم التفافا ، وأشرب اشتفافا ، حتى منيت بالهيضة والزحير ، واستحال عليّ التقدّم والتأخّر في المآب والمصير.
«حكاية» وجدت في صدري ضنكا من مجالسة الرجال ، ومطارحتهم الحديث والأمثال ، وقد جبل الإنسان على حب التبدل ، والتحوّل والتنقل ، فيسأم النعيم إذا طال ، ويرى في المثابرة الثبور والوبال ، وفي الإدمان الدمن والوبال ، فتحرّيت مجالسة الصبيان والخوض معهم في صار وكان ، فلم أكد أخرج من غرفتي حتى رأيت زمرة منهم يلعبون بالفئال والأوتاد ، ويضجون ضجيج الناس في يوم الجراد ، فتوهمت أن بي صمما أو لمما ، إذ لم أسمعهم على قربهم من الغرفة ، ولو أني سمعتهم لعظم عليّ لغطهم على هذه الصفة ، فدعوت أحدهم فحشد إليّ حفزا ، وكلمني ركزا ، فسكن روعي عند سماع نغمته الرخيمة ، وأيقنت أن حاسة سمعي بقيت فيّ سليمة. فحمدت الله تعالى على لطفه بي ، وزاد في عشرة الأولاد أربي.