نفسي قد تاقت إلى فقع لندرة وفقّاعها سافرت على نكظ (٣١٦) فتعرفت حينئذ بالخواجا مخايل المخلّع ، فقد كان قدم لمعاطاة التجارة ، ومما أعجبني منه كرمه وسعة اطلاعه ، فقلما يرد ذكر شاعر إلا ويروي عنه ، أو نكتة أدبية إلا ويسردها ، أقام في لندرة عاما ونيفا وسافر وهو يدري جميع أحوالها.
كتاب كلستان
وقد أهداني نسخة من كتاب كلستان الذي ترجمه أخوه من الفارسية إلى العربية ، فلما تصفحته وتأملته حقّ التأمل ظهر لي أن خبره دون مخبره ، إذ لم أجد فيه من المعاني المبتكرة ما أوجب احتفال العجم به هذا الاحتفال العظيم ، فإنه عندهم بمنزلة مقامات الحريري عندنا غير أن عربيته فصيحة ، فلما قابلته المرة الثانية وجرى ذكر هذا الكتاب ، قلت له : لقد طالما سمعت بذكر كلستان غير أني لم أجده يستحق هذه الشهرة ، وقد حدّثتني نفسي بأن أنشئ كتابا على نسقه لكن ألتزم فيه الهزل. قال : فافعل. فأنشأت في اليوم القابل هذه الحكايات الآتية ، ولما قرأتها عليه وقت الاجتماع قال : قد أفرطت في محاكاته ، وهو فوق ذلك ، وأبى إلا التنويه به.
محاكاة الشدياق لصاحب كلستان
هذا ولما كان باب الإنشاء قد أرتج عليّ بلندرة ، لكثرة قعقعة العواجل والحوافل فيها بحيث لا يمكن لمستمها آناء الليل وأطراف النهار ، أن يجمع أفكاره أو يبتكر معنى حسنا ، حقّ لي أن أثبت هنا ما كتبت محاكيا لصاحب كلستان وهو :
«حكاية» رأيت قوما يتسابقون حشدا ، ويتزاحمون حفدا ، فمن بين ضاغط جاره ومهطع كأنه يشنّ الغارة ، فقلت : تالله ما اجتمعت هذه الجماعة إلا لأمر عظيم ، ولا قصدت إلا مقصد خير عميم ، ثم قلت لنفسي بعد استصواب حدسي :
__________________
(٣١٦) على نكظ : على عجل (م)