وتشفيه من داء به
، فأرسلت تقول له : إني لم أبعث إليك ، وإن الأصوات لم تذكر لي اسمك ، وفي جميع
هذه الحوادثكانت أفعالها على وكلامها على حد سوى ، وكانت مالكة هوى نفسها فلم تكن
تبدئ شيئا من الجفاء أو السرف ، وكان ذهنها يزيد صفاء وتوقدا ، ولم يكن لها مآرب
سوى إغاثة أورليان وتتويج الملك. فعرض عليها أحد الرهبان أن يعضدها بامرأة زعم أن
لها قدرة علوية فوق الطبيعة ، فقالت له : لا حاجة لي بها ، ثم قالت : من حيث إن
الحاكم لم يكترث بي فإني أذهب إلى الملك وحدي ماشية ، إذ ليس أحد من الملوك يغيث
فرنسا حتى ولا بنت ملك سكوتلاند ، فما من إغاثة إلا بي ، على أني لو خيرت لاخترت
المقام بدار أبي ، والغزل بإزاء أمي ، ثم ألحّ الناس على الحاكم بأن يجيبها إلى ما
طلبت. قال وبعد أن رشّ عليها القسيس الماء المبارك واختبرها ، وعلم أنها ليست
بساحرة أرسل معها بعضا من خواصه ، فسافرت في شهر شباط من سنة ١٤٢٩ ، وكان الملك
بعيدا عن ذلك الموضع مسافة مائة وخمسين فرسخا في أقطار مشجونة بالحرس والعسس
والمحاوف ، فركبت الجواد في زي رجل ، وتقلّدت السيف ، وطمّنت قلوب السائرين معها ،
فجابوا تلك النواحي من دون أن يصادفوا أحدا من الأعداء ، حتى إذا أشرفت على مقر
الملك بعثت من يخبره بقدومها ، فلما سمع بذلك اندفع في الضحك ، وإن كان وقتئذ في
حالة يصدق عليها قول من قال «إنه يتعلّق بحبال الهواء» فأشار عليه بعض وزرائه أن
يقابلها ، وسخر منها الآخرون وظل رجال الديوان ثلاثة أيام في هذه المذاكرة ،
والملك لا يدري بأيها يجزم ، إلى أن قرّ الرأي أخيرا على أن يؤذن لها في الدخول.
ولأجل أن يختبرها تزيا بزي رجل من العامة ، وجعل أحد خواصه في زيه ، فلما دخلت
خرقت صفوف الحشم والتبع حتى وصلت إليه ، وجثت بين يديه ، وقالت :
ـ ملّاك الله بالعمر ، أيها الملك الحليم.
فتعجب وقال لها :
ـ لست أنا الملك ،
وإنما ذاك.
__________________