إنسان حتى يغيب عن الإدراك. وهي نسبة إلى رجل نمساوي اسمه مزمر ، فاشتقوا منه فعلا ، يقال : مزمره ، أي عالجه بإمرار اليد. وذلك أنهم يعتقدون أن في بعض الأجسام خاصية تؤثر في غيرها على مقتضى ما ينويه المؤثر. وقد سمعت من الست المذكورة أن بعض الاطباء مزمر خادمة لها حتى خثرت (٢٣٦) نفسها ، ثم لمس من رأسها مبعث الأنفة والمدافعة وقال لها : أنت دميمة. فقالت : لا بل أنا أحسن خلق الله وجها. ثم لمس مبعث الكرم ، فقالت : بالباب مسكين خذوا هذا الدرهم واعطوه إياه. ثم لمس مبعث الغضب ، فجعلت تهيج وتشعث شعرها ، فأراد أن يرجعها إلى حالتها وارتاب في استطاعته على ذلك ، فلم يقدر. وبقيت الجارية كذلك هائجة مضطربة ، وذلك لأنك إذا أثّرت في شخص وأحلته عن حالته ، ثم شئت رده إليها ، لزمك أن تعتقد اعتقادا يقينا بأنك مستطيع عليه. فلما تبين له عجزه استدعوا بطبيب آخر ، فحاول أن يخرجها من قوة تأثير الأول بواسطة الإمرار ، فلم يتم له ذلك بالكلية ، وإنما أضعف منها أثر الأول إضعافا ، فباتت على تلك الحالة ، فلما أصبحت خفّ ما بها ثم شفيت. ويقال : إنه إذا أمر الشخص المؤثر فيه بقتل إنسان قتله ، أو بقضاء حاجة قضاها دون تلبث ، حتى إنه ليفعل ما فيه ضرّ نفسه ، وإنه يدل على أشخاص وأماكن لم يكن رآها من قبل ، ويسميها كما هي.
واتفق أن جارية الست المذكورة أصابها ورم في وجهها عن وجع ضرس ، فأجلستها على كرسي ومزمرتها حتى غشيها سبات ، ويبست جوارحها ، فأخذت سيدتها تنفخ عليها وما زالت بها حتى شفتها بالمرة. ومرة أخرى أجلستها أمامي ثم لوت يديها إلى صدرها ، ثم أمرّت يديها على وجهها ، فما لبثت أن غمضت عينيها ، فأمرتها أن تمشي من ذلك المحل إلى غرفة ، فمشت وعيناها مغمضتان ، وسيدتها ممسكة بها خيفة أن يصدم رأسها شيء ، فلما وصلت قالت المخدومة : أين تريدين القعود؟ على الكرسي أم على الأريكة؟ فقالت: بل على الكرسي. فقالت لها : لك ذلك. فجلست ، فسألتها عن أي شيء يشتغل فلان به؟ فقالت : هو ناظر إلى ساعته. قالت : كم الساعة الآن؟ قالت : الحادية عشر وربع. فنقلت أصبعها إلى موضع آخر
__________________
(٢٣٦) خثرت نفسها : غثت واختلطت (م)