فإن له نابا يحين لأجله |
|
وإني لسنّي كلّ حين لحائن |
إلا أنّ اللوم موجّه على المستوطنين ، وأصحاب المطاعم والفنادق الذين يجهلون من أنواع الطبخ ما يعرفه أفقر الناس في البلاد المشرقية ، حتى إنّهم لا يعرفون أن يقلوا البيض بالسمن ، ولا يطبخون العدس ، ولا الحمص ، ولا الفول ، ولا غير ذلك من القطاني إلا الرز ، فإنّهم يسلقونه سلقا ثم يصبّون عليه الحليب. وأكثرهم يتقزّز من الزيت ولا يدري ما طعمه ، على أنّهم يأكلون الدم مخلوطا بالشحم ، ويتّخذون منه أيضا نوعا من الفصيد.
أكلهم اللحم المنتن
ومن العجيب أنّهم لا يعافون من أكل اللحم المنتن وغيره ، فإن الأرنب والغزال لا يأكلونهما إلا بعد خنقهما بنحو ثلاثين يوما ، وقد دعيت غير مرّة إلى موائد الموسرين ، وشممت فيها جخر (٢٣٣) الأرنب ، وعلى ذلك قولي :
ويأتون بالأرنب المسبطر صحيحا كما كان يطمر طمرا |
|
بأذنابه وبأسنانه وبأظفاره وهو يفغر ثغرا |
وفي وجه كل الضيوف له ذنب شائل ودبر تعرّى |
|
ووالله بالله تالله إنّي شممت له جخرا ليس حزرا |
وكذلك الفراخ والطيور لا يطبخونها إلا بعد خنقها بأيّام ، ويقولون : إنّها إذا بقيت أياما كثيرة بعد خنقها يزيد لحمها مراءة وطيبا ، والدليل على ذلك أن الآكل منها يكفيه قليل بخلاف ما لو أكلت وهي طريّة. والحقّ يقال : إنّ لحم البقر عندهم لا يؤكل إلا بعد ذبحه بيوم أو يومين ، وذلك لكثرة دمه ، ولا حرج على بيع المنتن من اللحم والسمك ، والفجّ من الأثمار والفاسد من كلّ شيء. وعندهم صنف من الجبن يستطيبونه على غيره لكونه مدوّدا ، وكنت ذكرت يوما لأحد فضلائهم قضية أكلهم
__________________
(٢٣٣) الجخر : تغير رائحة اللحم. (م).