البقر ودجاج ، خيّرتك السيدة أيّهما تريد ، فإذا تناولت من لون سقطت شفعتك من الثاني ، وندر أن تعطيك منهما كليهما ، ولا يمكن أن تعطيك شيئا ، أو بالحرى من شيء إلا إذا استطلعت رأيك فيه أولا.
ولا يمكن للمدعو أن يمدّ يده إلى زجاجة الخمر ويصبّ منها في قدحه ، بل لا بدّ من أن ينتظر السيّد أو السيّدة أن يعرضا عليه ، وكذلك سائر المأكول والمشروب ، ويحزنني أن أقول : إنّي كثيرا ما رأيت صاحب المنزل يقطع للضيوف اللحم ، ثم يستكثره عليهم فيضع في صحفته ما استكثره ، فربّما امتلأت من تلك القطع ، وكنت أرى المدعوّين معي يتكلّفون الأكل تكلّفا ، ويتبلّغون بما لا يكاد يكفي الصبي ، فيبقى ثلاثة أرباع الطعام كما هو.
وإذا برد عندهم اللحم المطبوخ فلا يأنفون من أكله كذلك أسبوعا ؛ فلهذا ترى المحضر على المائدة كثيرا بالنسبة إلى مقدار الآكلين ، وكميّة أكلهم. وقد سألت يوما المرأة التي كنت نازلا عندها ذات يوم فقلت لها : نشدتك الله إلا ما صدقتني. هل أنا من الأكّالين المفرطين؟
قالت : لا.
قلت : قد دعيت غير مرّة ، ورأيت المدعوّين معي جميعهم لم يأكلوا قدر ما أكلت أنا مرّتين.
فقالت لي : إن الدعوة هنا إنّما هي صورة فقط ، فإنّ المدعوّين يأكلون في بيوتهم قبل أن يحضروا الوليمة ؛ فأخذني العجب من ذلك ، وطفقت أفكر في مخالفتهم في ذلك لعادتنا ، فإنّ المدعوّين عندنا كلّما أكثروا من الأكل زاد سرور الداعي بهم لاعتقاده أنّهم أحبّوا طعامه.
وإذا قلت لواحد من الإنكليز : إن فلانا دعاني إلى الشاي قال لك : إنه هو كثير الفضل وما أشبه ذلك ، هذا عند الوسط من الناس ، فأمّا عند العظماء والزعماء فإنّ الخادم يطوف على الحاضرين بآنية الشراب ويخيّرهم أيّ نوع يشربون ، وربّما شربوا المزر أولا ، ثم قليلا من الخمر ، حتى إذا فرغوا من الأكل قامت النساء وانفردن في مقصورة ، وبقيت الرجال على المائدة ، وحينئذ تتداول كؤوس الشراب والمناقلة على النقل بغير محاشاة ، وربّما قضت الرجال ساعة أو ساعتين على الشرب والنقل ،