ولكلّ ميّت حداد معلوم ، ولكلّ دفنة سعر ، ولكن لا يخمشون عليه وجها ، ولا يشعثون شعرا ، وإذا أبقيت الجنازة في محل عند المقبرة ليلة واحدة أدّى عليها خمسة شلينات زيادة على الرسم المعتاد ، فقلت لمن طلب منّي ذلك : إنّ الحي يرقد على فراش وثير ليلة ويوسخه ، ولا يؤدّي أكثر من شلين واحد ، فكيف تطلب على طفل في تابوتة خمسة ،؟ فقال : إنّ بين الحي والميّت فرقا.
أمّا الكبراء فإنّهم يبقون جنازتهم أكثر من أسبوعين إشارة إلى أنّه غير جدير بأن يفارق هذه الدنيا. ومن الغريب أنّه إذا مات أحد منهم غريبا فلا بدّ من أن يعيدوه إلى وطنه ليدفن فيه ، فيا ليت شعري ما نفع الميّت لبلاده؟ أو ما نفع بلاده له؟ ولا يدفن ميّت إلا بشهادة الطبيب الذي عالجه ، أو أجهز عليه ، وذلك لكثرة ما يقع عندهم من القتل بالسم.
والواقع أن الفرنسيس أكثر احتراما للجنازات من الإنكليز ، فإنّهم يمشون وراءها أيّا كانت ، وهم خاشعون حاسرو الرؤوس ، وحين تكون في البيت يوقدون حولها الشموع ليلا ويجعلون لها حارسا ،
عادتهم في العيادة
ومن عادتهم في العيادة أن يستعضلوا داء المريض لأهله أيّا كان ، ويلقوا في قلوبهم الرّعب بقولهم مثلا : إنّ فلانا مني بهذا الداء منذ أيّام فمات ، فإنه داء معضل ولا سيّما في هذه الأيّام ، فكنت كثيرا ما أتذكر ما حكي عن ذلك الرجل ، وقد مرض ، فعاده بعض أصحابه ، وقال له : ما تشتكي؟
قال : وجع الرّكبة.
قال : إنّها والله كانت علّة أبي فمات منها ، وإذا أصيب أحد بما يخاف منه العدوى فلا يعودونه أصلا.
وقد كان لي طفل أصيب بالسعال ، فلمّا كنت أذهب إلى منزل دكطر لي على عادتي كانت زوجته تتجنّب مواجهتي ، فساءني ذلك أولا حيث لم يكن يخطر ببالي أنّ السعال يحمل من المبتلى به ، وينقل إلى صدور الجيران ، فلمّا علمت عموم ذلك