حبّا وكرامة ، لا بدّ من ذلك ، فإنّ الخير مشترك ، ونفعك من نفعي ، والحال واحد حالة كون النية غير منعقدة على العمل ، فأمّا إذا رأى المسؤول نفسه غير قادر على إحساب(٢١٠) سائله ونفعه قال له مصرّحا : إنّ سؤالك فوق طاقتي ؛ فاقصد غيري. ولكن متى وعد فلا بدّ من إنجاز وعده ، فلا محال ولا مطال.
تريثهم في البت في الأمور الخطيرة
إلا أنّه لا ينبغي أن تفهم من هذا أن الأمور الخطيرة عندهم تبتّ في الحال ، فإنّ لها من التوقيف والتعيين ما يعيى به صبر المنتظر ، إذ لا يبرم عندهم أمر من أول وهلة إلا أن يستفرغ فيه البحث والتروّي ، فعلى قدر ما يهون عليهم ارتجال المقال ، يصعب عليهم ارتجال الفعال ، حتى إنّ ديوان المشورة لا يبتّ شيئا إلا بعد استفراغ الكلام فيه ، وإنّما المراد أنّهم لا يعدون بما لا نية لهم على وفائه كما يحدث في بلادنا ، فيبقى الموعود رهين الأماني يطعم الملث ، ويسقى الوعود ، ثم لا يحصل من بعد ذلك على شيء ، فينتج منه التكذيب من قبل الموعود ، والتنكيد من قبل الواعد. وفي الجملة فليس بين الإنكليز عرقوب ، ولا أشعب.
وعندي أنّ هذا الاختصار هو في أغلب الأحوال أساس للمصالح ، ووسيلة للنجاح ، فإنّه إذا كان أحد مثلا معطّلا عن الشغل ، وطلب وظيفة من أحد الإنكليز ، فإنّه يكتب إليه كتابا ويذكر له الشروط ، فإذا أعجبه ذلك أجابه حالا إلى سؤاله ، وإلا قال له لا يمكنني ؛ فيسعى الرجل في تحصيل وسيلة أخرى.
الفرق بيننا وبينهم
أمّا عندنا فإذا طلب أحد من مخدوم وظيفة قال له : يا حبّذا ليس غيرك أجدر بها ، ولقد طالما بحثت عن رجل مثلك ، متّصف بهذه الصفات ، ولا سيّما أنّك
__________________
(٢١٠) الإحساب : النفع والإرضاء. (م).