خاتمة ورأي
وما أنكرته عليهم وافقني عليه من جال منهم في بلاد الشرق ، وجنح إلى التطبّع بطباع أهلها ، فكلّهم يقرّ بأنّ هذه الأحوال التي اتّصف بها عامّة الإنكليز في هذا العصر ، عصر التأدب والتكيّس شين وأيّ شين ، وأنا أختم هذا الإقرار بأن أقول : إنّ عامّة الإنكليز هم دون عامّة فرنسا أدبا وكياسة ، كما أن عليّة أولئك أفضل من عليّة هؤلاء. وسيعاد ذكر ذلك عند الكلام على أخلاق الفرنسيس ، وأقول أيضا في الجملة : إنه معما يظن أن دول الإفرنج تبغي تعميم المعارف لدى جميع رعاياها فليس الأمر كما يظن إذ ليس من نفع الدولة ، والكنيسة أن تكون العامّة متكيّسة ومتفقّهة ، ولا سيّما عامّة فرنسا ، فإنّ معارفهم سبب لتخطئة الدولة ، ولهذا يقع فيها من التغيير ما لا يقع في غيرها.
ما يحمد من خصالهم
ويعجبني من الإنكليز خلال منها : أنّه ليس عندهم فضول وتكليف على الدخيل فيهم ، بل لا على من هو منهم ، فلا يزورونه في غير وقت الزيارة ، ولا يستعيرون منه ، ولا يتعرّضون لما يأتيه ، فلو رأوه مثلا مضطجعا على قارعة الطريق لم يسألوه لأي سبب تفعل ذلك؟ بل ربّما حسبوا أن أهل بلاده جميعا يضطجعون مثله ، وأن في ذلك مصلحة لهم(٢٠٥). وإذا زارك أحدهم ، ورأى عندك مثلا امرأة أو نساء لم يهمه أن يسألك عن سبب زيارتهنّ ، ممّا لا بدّ منه في بلادنا ، وكذا لو رأوك تماشي امرأة في الطريق ، أو تخاصرها فكلّ منهم مشغول بهمّه ، ومهموم بشغله. وإذا رأوا طبقا مغطّى لم يسألوا ما في هذا الطبق ، كما في الحكاية المشهورة. ويمكن أن يقال : إنّ هذه الخلّة هي صنو لأول خلّة ذكرتها من معاييرهم في كون كلّ واحد منهم لا يهتمّ إلا بشأنه ، ولا غرو أن يكون بعض الخلال ممدوحا من وجه ، ومذموما من وجه آخر.
__________________
(٢٠٥) في الطبعة الأولى : له. (م).