حبس إلى أن ينظر فيها ، وحينئذ يرخصّ للمذنب في أن يطلب كفلاء يكفلونه فيخرج من السجن ، ويتعاطى أشغاله إلى أن يعاد عند بت الحكم فإن لم يجد كفلاء بقي في السجن.
ومما يرى منكرا من أحكامهم إجازة شهادة الأولاد دون البلوغ ، غير أن القاضي يستحلفهم أولا وينبههم على خطر اليمين والشهادة هذا إذا كان في الدعاوى الصغيرة ، أي التي لا توجب القصاص بالقتل. والويل ثم الويل لمن وقع في يد أحد من فقهاء الشرع ، فإنهم أدهى خلق الله ، ولا يعجزهم أن يصيّروا الظلام نورا ، والنور ظلاما ، ودونك مثالا واحدا لذلك : وهو أن بعض المتكيّسين الذين يدلّون بجمالهم دون مالهم عشق بنت أحد الأغنياء ، وإذ كان يعلم أن الغنيين للغنيات ، والمقلّين للمقلّات خشي أن يخطبها من أبيها فيسفّه ويجبه (٢٠٠) ؛ فتوسّل إلى ذلك بواحد من هؤلاء الدهاة ، ووعده بصلة حسنة ؛ فقال له : سأتروّى في أمرك فأتني غدا. فلما كان الغد أتاه الشاب فقال له الفقيه : أرأيتك لو شاء أحد أن يقطع أنفك ، ويعطيك عشرين ألف ليرة أفكنت ترضى قال : كلا ، ولو أعطيت ضعفيها. فانطلق الفقيه لساعته إلى أبي البنت وخاطبه في أن يزوج ابنته من الرجل ، فقال له : كيف أصاهره وهو فقير وليس له غير جماله؟
قال : وعنده أيضا جوهرة أعطي فيها بحضرتي عشرين ألف ليرة فأبى أن يبيعها ؛ فتغير الرجل عن إصراره ، وما زال به حتى أغراه بتزويج ابنته. والبارع من هؤلاء الفقهاء لا يباشر دعوى من الدعاوى الخطيرة إلا إذا قبضت كفّه على ثلاثمائة ليرة.
كتّاب الصكوك
فأمّا كتّاب الصكوك فلما كان جعلهم بحسب السطور كانت عباراتهم مملّة لما فيها من التكرار غاية الإملال ، مثال ذلك : باع زيد بن بكر داره الفلانية لخالد بن عمرو بكذا وكذا بيعا خاصّا مطلقا ، وأقرّ زيد بن بكر بأنّداره الفلانية ، التي باعها لخالد ابن
__________________
(٢٠٠) يسفّه : ينسب إلى السفه والحماقة ، ويجبه : يردّ عن حاجته وهو مكره. (م).