ورئي مرّة رجل من نبلاء الفرنسيس يغري كلبه بمطاردة هرّة ، فغرّمه الحاكم عشرين شلينا. ومع ذلك لم يهمه حظر بيع السم منعا لهذا الشر المتفاقم على الحيوان الناطق. وإنّ الولد إذا أخذ حاجة ليرهنها وهو دون البلوغ ، أو دون خمس عشرة سنة لا يقبلها منه المرتهن ، ولكن إذا ذهب إلى دوائي ليشتري سمّا أو مسبتا (١٩٦) باعه على أن بيع السمّ في فرنسا ومالطة محظور على أي كان إلا بإذن من الطبيب ، فكأن العجماوات أنفع للدولة من بني آدم. وما أرى لذلك سببا سوى هذا الأصل الفاسد الذي يعبّرون عنه بقولهم حرية المتجر ، أو لزوم السم للفلاحين في قتل الهوام كما سبق ذكره ، إلا أنّ مراعاة الجانب الأقوى في الأمر الذي يكون منه مفسدة ومصلحة ألزم وأهم.
وهذه الحرية في المتجر هي التي سهّلت للناس أن يغشّوا كلّ شيء من المأكول والمشروب ، وكل ما يصحّ فيه البيع والشراء ، كما سيأتي بيانه.
حتى إن صاحب الذوق السليم يؤثر المقام في بلاد الهمج بحيث يذوق شيئا ممّا تنبته الأرض على حاله ، على أن يمكث بين قوم يعلمون عدد نجوم السماء ، ورمل البحار ، وهم مع ذلك يأكلون ما يضرّ البهائم فضلا عن البشر. وكلّ شيء جاوز القدر أضر.
أحكامهم
وأقبح من ذلك أنه كثيرا ما يحكم القضاة أو الجوري على مرتكب القتل بالجنون إعفاء له من القصاص ؛ فتذهب الحكمة سدى في «ولكم في القصاص حياة» أو في القتل أنفى للقتل. والجوري هم اثني عشر رجلا يقع عليهم الاختيار ، فيجتمعون مع القاضي لفصل الدعاوى ، وهم على قسمين خاص وعام. فالخاص : مؤلّف من الفقهاء ، وذوي الوجاهة لفصل الأمور الخطيرة ، ولكلّ منهم ليرة على كل دعوى.
والعام مؤلّف من أصحاب الدكاكين والحرف لفصل الدعاوي الحقيرة ولا إيراد لهم. وقيل : إن كلا منهم يأخذ ثلثي شلين بحسب ما تقرّر في السابق ، ومن يمتنع
__________________
(١٩٦) المسبت : المنوّم ، أو المسكّن. (م).