عودة إلى طبعهم
ومن طبعهم أنّهم لا يتزاورون ولا يسهر بعضهم عند بعض. وكيف يسهرون وهم إنّما يرقدون في الساعة التاسعة ويقومون صباحا في الرابعة كل ذلك حتى يأكلوا الفقع أعني البطاطس ويشربوا الفقّاع (١٧٧) أو ربّما أقام الرجل سنين ولا يعرف جاره. وكذا أهل المدن.
ملاقاتهم واجتماعهم
وغاية محاورتهم إذا تلاقوا في الطريق أن يقول أحدهم «طيب بطرس» فيقول الآخر «طيب يوحنا». وكنت إذا مررت بأحد منهم يقول لي «صباح حسن» فأقول له كالصدى «صباح حسن» ، وكنت أحسب ذلك تحية لأن تحية الصباح عندهم «صباح طيب» ، فظننت أنّهم يقيمون لفظة مقام لفظة حتى سألت الدكطر لي فقال لي : «ليس ذلك من التحية في شيء وإنّما هو مجرد إخبار عن حسن الصباح». وإذا اجتمع المتعارفان منهم وتساءلا فلا بدّ وأن يبتدئ أحدهما أولا بوصف الهواء وصحوه أو برده ، ثم يخبره بما عرض له من وجع في كتفه ، أو ثالول في رجله ، أو اختلاج في عينه ، فيقول السامع «يحزنني ذلك» ومتى اجتمعوا للمنادمة ـ وذلك لا يكون إلا في القرى الجامعة ـ ملأوا كوبا كبيرا من الجعة ، وجعل كل منهم يكرع منه كرعة ويدخّن في قصبة من الطين ، ثم يبصق فيملؤون المكان بصاقا وقذرا. وفي خلال كلّ محاورة يجدّدون وصف الهواء ، ولا يكاد أحدهم يضحك ضحكا طبيعيا وإنّما هو عبارة عن قهقهة بلا أدب ، ثم يعقبها العبوس ، وما كان الضحك منهم إلا قوة من القوى فهم بلا أدب ثم يعقبها العبوس وما كان الضحك منهم إلا قوة من القوى فهم يكتمونه ما أمكن مخافة أن تخرج معه تلك القوة.
__________________
(١٧٧) الفقّاع : شراب يتخذ من ماء الشعير. (م).