مخافة أن تمجل (١٦٦) بشرتهن ، وإنّما يغسلن بماء النخالة مع أنّ صابون فرنسا أحسن من صابون الإنكليز ، ويقال : إنّ أهل فرنسا الأقدمين ، وكان يقال لهم الغال ، هم أول من عملوا الصابون في أوربا. وكان الناس من قبل ذلك يغسلون ثيابهم بالماء فقط ، إمّا بأن يدعكوها بأيديهم ، أو بأرجلهم. ولم يعمل في لندرة قبل سنة ١٥٢٤ والمحسوب أنّ كل واحد من أهل بريتانيا يلزم له سبعة أرطال من الصابون في كلّ سنة ، فعلى هذا يكون اللازم منه لأهل لندرة وحدهم تسعمائة طن. وجميع الإفرنج لا يغسلون أيديهم بعد الطعام ، غير أنّ الكبراء منهم يغمسون أصابعهم في صحاف يؤتى بها أمامهم على المائدة ، ثم ينشّفونها من دون صابون ، وربّما تمضمضوا وألقوا فيها الماء من أفواههم بحضرة الضيوف ، وكذلك تفعل النساء وهو عندي أقبح من عدم الغسل.
وممّا يكره في نساء الإفرنج تربية أظافرهن حتى تأخذ حدّها في الطول ، وترك شعورهن في القفا منفّشة مشعثة ، فمتى نزعت إحداهن غطاء رأسها رأيت شعرها كشعر المقشعر ، وإنّ إحداهن لتلعب بجرو كلب بحضرة الناس ، وربّما نزا عليها ولحس ترائبها ووجهها. ونساء الأكابر يستصحبن كلابهن في العواجل. وعندهن صنف من الكلاب يقعدنه في أحضانهن ، ويسمّى كلب الحضن. وإني أحمد من نساء الإفرنج عموما ، ومن نساء الإنكليز خصوصا أنّهنّ لا يستعملن الصبغ ولا التزجيج ، فكما خلقهن الله يبدون ولا يتباهين بكثرة الحلي والجواهر ، فغاية تصنّعنهنّ إنّما هو في تصفيف شعورهنّ ، وتغيير ملابسهنّ بحسب الزّيّ المستعمل.
فأمّا نساء الفرنسيين فإنّهنّ أكثر زهوا وعجبا من جميع نساء الإفرنج ، وقد كانت النساء هنا يرسلن على طلاهن (١٦٧) سوالف مجعّدة تفعل ذلك منهنّ الطويلة الشعر عجبا به ، فصرن الآن يسوينه منسرحا على أفوادهن اقتداء بالملكة إلا ما ندر. ومثل هذه العادة في القلّة عادة المرافد (١٦٨) ، وللنساء على الرجال مزيتان علوية صيفية وسفلية
__________________
(١٦٦) مجلت اليد : تقرّحت ، وكذلك الوجه. (م).
(١٦٧) الطلى : جمع طلية وهي العنق. (م).
(١٦٨) المرافد : جمع مرفد ، وهو ما تعظم به المرأة أردافها من الثياب وغيرها. (م).