بِكَلِمَاتٍ
فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي
قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
(١٢٤)
)
، فقد جعله الله للناس إماماً لا ريب في ذلك ، إلا أنه طلب الامامة لذريته بعد
تواجد هذه الذرية ، فما هو هذا الابتلاء العسير الذي ستظهر به قابلياته النفسية ،
وملكاته الكامنة بالعمل والجد والسعي دون القول وحده ، هذا الابتلاء كان متعلقاً
بالكلمات ، والكلمات جمع كلمة ، والكلمة قد يراد بها الشخص في القرآن ، الشخص
بذاته ، والانسان المعهود نفسه ، أي أنها قد تطلق على الوجود العيني كما في قوله
تعالى بالنسبة لعيسى عليهالسلام
: ( إِذْ قَالَتِ
المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ
المَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ
المُقَرَّبِينَ (٤٥) )
.
وبهذا يتجلىٰ أن كلمة الله هنا هي فعله ، كما هي في غيرها قوله ، قال تعالى
: ( وَلا مُبَدِّلَ
لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ المُرْسَلِينَ
) .
وقد ابتلى ابراهيم عليهالسلام قبلها بأوامر إلهية صارمة كالهجرة وذبح
الولد ، وبناء البيت وإبعاد الأهل وسواها ، وهنا لم يذكر شيئاً منها لعدم تعلق
المقام فيها ، إلا أن الغرض قد يكون واضحاً في هذه الكلمات بمقارنة قوله تعالىٰ
: ( إِنِّي جَاعِلُكَ
لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ، فهو حديث خاص يتعلق باقتداء الناس به
، يستضيئون بنور علمه ، ويهتدون بما يفيض عليهم من كمالات الائتمام إستكمالاً
للفيض الالهي عليه بعد أن كان نبياً ورسولاً وخليلاً ، فأضاف إليها الإمامة وهي
الولاية العامة على الناس ، ويبدو أنه قبلها ، بل وطلبها إلى ذريته ، فكان الجواب ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ
) تعبيراً عن
إبعاد الظالمين عن ولاية العهد الالهي ؛ وبهذا يتجلّىٰ أن الظالم لا يصلح
للإمامة لأنه لا يكون هادياً إلى الحق ، وأن الامام يجب أن يكون معصوماً لأنه ليس
بظالم ، وجميع الذنوب من الظلم النفسي أو الغيري أو كلاهما معاً ، ومن لم يذنب لا
يعدّ ظالماً ، فاقتضى القول بالعصمة ، وهذا ما تؤيده النظرية العلمية الدقيقة في
شؤون القرآن بعيداً عن المذهب الكلامي
__________________