( قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (٦٨) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ (٧٠) وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (٧١) ) (١) ، وغادر إبراهيم العراق إلى فلسطين ، وبلي هناك بالهجرة إلى مصر ، وأخرى إلى حيث وضع ولده وزوجته عند بيت الله الحرام ، وهنا فوجىء بالامتحان القاسي بذبح ولده ـ وهو اسماعيل في أشهر الروايات ـ على سبيل الايحاء الالهي في المنام : ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي المَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلاءُ المُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) ) (٢).
فكان من الأب أن امتثل الأمر المولوي ، وكان من الابن أن استجاب لهذا الأمر بطلب فعله ، وتدارك الله عبديه ، وشكر لهما صنعهما ، ونوّه بذكرهما ، وإعتبرهما من المحسنين المستحقين للجزاء والثواب ، على هذا البلاء والامتحان ، وفداه بذبح عظيم.
ولم يزل إبراهيم عليهالسلام مناراً في الاختبار السرمدي ، وهو في أواخر حياته ، وقد منّ الله عليه بالذريّة ، فذكر الله على ذلك وحمده : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابُ (٤١) ) (٣).
وكان إبراهيم عبداً منيباً ، ورجلاً كريماً سمحاً ، وممتثلاً لأوامر الله تعالى ينفّذها حرفياً ، فأقام القواعد من البيت يساعده عليه اسماعيل ، واستقبل الأضياف ، وحاجج الملائكة في قضية قوم لوط ، ودعا إلى الله بكل ما استطاع ، وقابل الهجرتين وسواهما بقلب سليم ، ودعا الله وأناب إليه ، كل ذلك مما لا شك فيه ، وعليه ظواهر الكتاب ، والذي يبدو أنه أختبر من قبل الله تعالى أواخر أيامه بكلمات فأتمهن : ( وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ
__________________
(١) الأنبياء : ٦٨ ـ ٧١.
(٢) الصافات : ١٠٢ ـ ١٠٧.
(٣) إبراهيم : ٣٩.