على الشيخ أبي عبد الله القصري المقري وروى عنه ، وسمع الحديث بالمدينة على والده وأبي عبد الله محمد بن حريث البلنسي ثم السبتي خطيب سبتة وفقيهها وعلى العز يوسف الزرندي والجمال محمد بن أحمد المطري ، والشرف الزبير الأسواني والسراج الدمنهوري وأبي عبد الله بن جابر الوادياشي والقطب بن مكرم المصري والزين الطبري ، وبمكة من الرضي الطبري وغيره ، وخرج له الشرف ابن سكر المصري ، نزيل مكة ، مشيخة كبيرة حافلة مشتملة على شيوخه ومروياته ، وعن والده أخذ الفقه والعربية ، وكان من الأئمة الأعلام ، ومصابيح الظلام ، عالما بالفقه والتفسير وفقه الحديث ومعانيه ، وسمعته يقول : لزمت تفسير ابن عطية حتى كنت أحفظه ، وبرع في العربية وتصانيفه فيها شاهدة له بذلك ، ولما لقيه أبو حيان ووقف على كلامه في إعراب «بانت سعاد» قال : ما ظننت أنه يوجد بالحجاز مثله واستعظم ذلك عليه وأثنى عليه ، وسمعته يقول : اشتغلت في العربية وأنا ابن ثمان عشرة سنة ، وتخرج عليه فيها جماعة فضلاء ، وكانت مشاركته في أصول الدين حسنة ، وحدث ودرس وأفاد ، وإليه انتهت الرياسة بالمدينة النبوية ، أقام مدرسا للمالكية ومتصدرا للاشتغال بالحرم النبوي أكثر من خمسين سنة ، وانفرد في آخر عمره بعلو الإسناد ، فلم يكن بالمدينة أعلى إسنادا منه ، وكان صبورا على الإسماع والاشتغال كهفا لأهل السنة يذب عنهم ويناضل الأمراء والأشراف ، وانتهى بذلك إلى أن امتحن ، فرصد في السحر بطريق الحرم فطعن طعنة عظيمة أريد فيها قتله فصرف الله شرها وعافاه منها ، وكان عليه مدار أمور الناس بالمدينة ، وناب في القضاء نحو أربع وعشرين سنة ، وأم في المحراب النبوي في بعض الصلوات ، ودعي إلى أن يقوم بالإمامة والخطابة نائبا فامتنع إعظاما للمقام النبوي ، وكان كثير التلاوة ليلا ونهارا خصوصا في أواخر عمره حتى إني شاهدته في أيام الموسم والناس في أشد ما هم فيه من الاشتغال مشغولا بورده في التلاوة لا يقطعه عنه شيء ، وكان يحيي غالب الثلث الأخير من الليل بالصلاة والتلاوة من حداثة سنه إلى أن ثقل بمرض الموت ، وكان مواظبا على الصف الأول من الروضة النبوية نحو ستين سنة وما يفتح باب الحرم في السحر إلا وهو على الباب وحج نحو خمس وخمسين حجة ، ولم يخرج من المدينة إلى مكة إلا للحج حتى مات ، وقال في آخر حجاته : هذه حجة الوداع ، وكان ممن جمع الله له العلم والعمل والدنيا والدين ، وكان أعظم أهل المدينة يسارا وأكثرهم عقارا وأوسعهم جاها وأنفذهم كلمة وأعظمهم حرمة وألينهم عريكة وأحسنهم بشاشة وبشرى ، وكان صبورا على الأذى يجزئ بالسيئة الحسنة ويسع الناس بخلقه ويواسي الفقراء بمعروفه ويقتل أعداءه ببره ويحفظ من مات منهم في ذريته ، وبهمته وسياسته أزال الله تعالى أحكام الطائفة الإمامية من المدينة ، فعزلت قضاتهم وانكسرت شوكتهم وخمدت نارهم ، وذلك : أنه لما باشر الأحكام نيابة عن القاضي تقي الدين الهوريني في سنة