فيه (١) ، وأقام بمكة عشرين ليلة ، وهدم على قوم أبوا أن يبيعوا دورهم ، وعوّضهم أثمانها من بيت المال ، وجدّد أنصاب الحرم على يد مخرمة بن نوفل فى آخرين ؛ واستأذنه أهل المياه فى أن يبنوا منازل بين مكة والمدينة ، فأذن لهم ، وشرط عليهم أن ابن السبيل أحقّ بالظل والماء(٢).
ثم خرج من المدينة عام الرمادة (٣) حاجا أو معتمرا ، فأتى الجار ليرى السفن التى قدمت من مصر فى الخليج الذى احتفره عمرو بن العاص ـ كما ذكرت خبره فى كتاب «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار (٤)» ـ وقال للناس : «سيروا بنا ننظر إلى السفن التى سيرّها الله تعالى إلينا من أرض فرعون» ؛ وأكل فى سفره هذا ـ وهو محرم لحم ظبى أصابه قوم حلال ، فلما نزل على البحر قال : «اغتسلوا من ماء البحر ، فإنه مبارك».
ثم صك للناس بذلك الطعام صكوكا ، فتبايع التجار الصكوك بينهم قبل أن يقبضوها ، فلقى عمر العلاء بن الأسود ، فقال : «كم ربح حكيم بن حزام؟ (٥)» فقال : «ابتاع من صكوك الجار بمائة ألف درهم ، وربح عليها مائة ألف» ، فلقيه عمر ، فقال : «يا حكيم : كم ربحت؟» ، فأخبره بمثل خبر العلاء ، قال : «فبعته قبل أن تقبضه؟» ، قال: «نعم» ، قال : «فإن هذا بيع لا يصلح ، فاردده» ، قال : «ما علمت أن هذا لا يصلح ، وما أقدر على ردّه» ، قال عمر : «ما بدّ» ، قال : «والله ما اقدر على ذلك ، وقد تفرّق وذهب ، ولكن رأس مالى وربحى صدقة» (٦).
واتفق فى آخر حجّة حجّها عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه لما رمى الجمرة أتاه حجر فوقع على صلعته ، فأدماه ، وثمّ رجل من بنى لهب ، فقال : «أشعر أمير المؤمنين لا يحج بعدها» ، ثم جاء إلى الجمرة الثانية ، فصاح رجل : «يا خليفة رسول الله» ، فقال : «لا يحج أمير المؤمنين بعد عامه هذا» ، فقتل عمر ـ رضى الله عنه ـ بعد رجوعه من الحج.
__________________
(١) انظر : (أخبار مكة للأزرقى ٢ / ٢٥ ـ ٢٧).
(٢) انظر : (الطبرى ٤ / ٢٠٦).
(٣) انظر : (الطبرى ٤ / ٢٢٢ وما بعدها).
(٤) انظر : (المواعظ والاعتبار ٣ / ٢٩٩ ـ ٢٣٢).
(٥) انظر : (تهذيب التهذيب ٢ / ٤٤٧ الإصابة ٢ / ٣٤٩ ، كشف النقاب ـ خ ، الجمع ١٠٥ ، صفة الصفوة ١ / ٣٠٤ ، ذيل المذيل ١٦ ، شذرات الذهب ١ / ٦٠ ، الأعلام ٢ / ٢٦٩).
(٦) انظر : (فتوح مصر لابن عبد الحكم ١٦٢ ـ ١٦٤ ، المواعظ والاعتبار ٣ / ٢٩٩ ـ ٢٣٢).