وكان قد حجّ جماعة من المغل فأحضرهم وأنعم عليهم إنعاما زائدا وأمر أن تكسى الكعبة بالحرير الأطلس ، وأخرج الثياب للصناع فعملوها.
وفرّق فى أهل مكة مالا عظيما ، وأفاض التشاريف على أمراء مكة وأرباب وظائفها وأمير ينبع وأمير خليص ، وأنعم عليه بخمسة آلاف درهم برسم عمارة خليص ، وكان لها عدة سنين قد انقطعت وجعل ذلك مقررا فى كل سنة برسم عمارتها.
واجتمع عند السلطان من العربان ما لم يجتمع لملك قبله ، وهم : سائر بنى مهدى وأمرائها ، وشطا ، وأخوه عساف ، وأولاده ، وأمراء مكة وأشرافها ، وأمراء المدينة ، وصاحبا ينبع وخليص ، وبنى لام وعرب حوارن وكبارها ، وأولاد مهنا ، وصاروا يعملون عليه إدلالا زائدا بحيث قام ابن لموسى بن مهنا (١). وقال للسلطان : «يابا على بحياة هذه ـ ومدّ يده إلى لحية السلطان ومسكها ـ إلا أعطيتنى الضعية الفلانية؟».
فصرخ فيه الفخر ناظر الجيش وقال : «ارفع يدك ، قطع الله يدك والك يا ولد الزنا ، تمد يدك إلى السلطان!».
فتبسم السلطان وقال : «يا قاضى ، هذه عادة العرب إذا قصدوا كبيرا فى شىء يكون عظمته عندهم مسك ذقنه ـ يعنى أنه قد استجار به ـ فهو عندهم سنّة» فقام الفخر مغضبا وهو يقول : «والله إن هؤلاء مناحيس ، وسنّتهم أنحس منهم ، لا بارك الله فيهم».
وصلى السلطان الجمعة بمكة ، فدعى له وللشريف فقط ، ولم يدع لصاحب اليمن تأدبا مع السلطان.
وقضى نسكه ، وسار إلى المدينة النبوية ، وصلى بها الجمعة أيضا ، وأقام يومين حتى قدم الركب ، وبعث المبشرين إلى مصر والشام ، وسار إلى ينبع فلم يجد المراكب وصلت ، فحصلت مشقة زائدة من قلة العليق ، ومشى أكثر المماليك لوقوف الجمال حتى أتت الإقامات من مصر والشام ونزل السلطان بركة الحاج فى ثانى عشر المحرم سنة عشرين وسبعمائة ، فعمل له سماط عظيم جدّا ، وركب فى موكب جليل إلى القلعة فكان يوما مشهودا.
وجلس يوم الخميس نصف المحرم بدار العدل ، فخلع على سائر الأمراء وأرباب الوظائف وأمراء العربان.
__________________
(١) انظر : (ابن خلدون ٥ / ٤٣٩ ، البداية والنهاية ١٤ / ١٩٣ ، النجوم الزاهرة ١٠ / ٧٦ ، الأعلام ٧ / ٣٢٩).