حلف الرشيد لأخيه بالمشى إلى الكعبة ، أن لا يتزوجها ، فلما مات الهادى تزوجها ، ومشى راجلا من بغداد إلى مكة ـ وهو خليفة ـ فولدت له عليّا ، وكان أقبح الناس صورة.
ولما دخل الرشيد مكة وهو خليفة كان يطرح له الرمل حول البيت ومقدار عرضه ذراعان ، ويرشّ بالماء ، ويقوم الحرس بينه وبين الناس ، وكان يطوف بين المغرب والعشاء ثلاثة عشر أسبوعا ، ولا يطيق ذلك أحد ممن كان معه ، وكان إذا سعى شمر إزاره وجعل له ذنبين ، فكان يفتن من يراه.
وكذلك حجّت زبيدة أم جعفر بنت جعفر بن أبى جعفر ـ زوج هارون الرشيد ـ ماشية أيضا ، وكانت حجة عظيمة ، غير أن ذكرها ليس من شرط هذا الجزء ، فلذلك تركت ذكرها.
وحجّ الرشيد أيضا بالناس فى سنة إحدى وثمانين ومائة. وحجّ فى سنة ست وثمانين ومائة من الأنبار ، ومعه ابناه عبد الله المأمون ومحمد الأمين ، فبدأ بالمدينة فأعطى فيها ثلاث أعطيات ، وأعطى هو عطاء ، وكل من ولديه عطاء ، وسار إلى مكة فأعطى أهلها ألف ألف دينار وخمسين ألف دينار ، وكان قد ولىّ الأمين العراق والشام إلى آخر المغرب ، وجعله ولىّ عهده ، وضّم إلى المأمون من همذان إلى آخر المشرق ، وعهد إليه بعد الأمين ، ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون ، ولقّبه المؤتمن ، وضّم إليه الجزيرة والثغور والعواصم ، فجمع بمكة القضاة والفقهاء ، وكتب كتابا أشهدهم فيه على الأمين بالوفاء للمأمون وكتب كتابا أشهدهم فيه على المأمون بالوفاء للأمين ، وعلق الكتابين بالكعبة ، وقد ذكرت خبر ذلك مبسوطا فى ترجمة المأمون من «تاريخ مصر الكبير المقفا» ، فإنه قدم مصر فى سنة سبع عشرة ومائتين ، وفى عود الرشيد من هذه الحجة نكب البرامكة النكبة المشهورة بالأنبار سلخ المحرم سنة سبع وثمانين ومائة ثم حجّ الرشيد سنة ثمان وثمانين راجلا ، وقسّم أموالا كثيرة وهى آخر حجة حجّها.
وكان إذا حجّ حجّ معه مائة من الفقهاء وأبنائهم ، فإذا لم يحج أحجّ ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة الفاخرة ، ولم ير خليفة قبله أكثر عطاء منه ، وقيل لو قيل للدنيا : متى أيام شبابك ، لقالت : أيام هارون الرشيد.
ومن فضائل الرشيد ما أخرجه الحافظ أبو نعيم فى «كتاب الحلية» : «حدثنا سليمان