وقيل لأربع عشرة خلت منه ـ سنة سبعين ومائة ، فأقام فى الخلافة ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما ، يغز وسنة ويحج سنة ، فحج تسع حجج ، ولم يحج بعده خليفة من بغداد.
فأول ما حج وهو خليفة سنة سبعين وقسّم فى أهل الحرمين عطاء كثيرا ، وقيل إنه غزا أيضا فيها بنفسه. وحجّ ثانيا فى سنة ثلاث وسبعين ، وأحرم من بغداد. وحجّ بالناس سنة أربع وسبعين ، وقسّم فى الناس مالا كثيرا. ثم حجّ فى سنة سبع وسبعين ، وخرج عليه الوليد بن طريف (١) الشارى ـ أحد الخوارج من بنى تغلب ـ بنصيبين ، وأخذ أرمينية وحصر خلاط ، وعاث فى بلاد الجزيرة ، فسيّر إليه الرشيد يزيد بن مزيد ابن زائدة الشيبانى ـ وهو ابن أخى معن بن زائدة (٢) ـ على العسكر ، فلم يزل يحاربه حتى قتله ، وفيه تقول أخته ليلى بنت طريف (٣) ترثيه بالأبيات المشهورة التى منها قولها :
فيا شجر الخابور مالك مورقا |
|
كأنّك لم تجزع على ابن طريف |
الأبيات :
فاعتمر الرشيد فى شهر رمضان سنة تسع وسبعين ومائة. وشكر الله تعالى على قتل الوليد ، وعاد إلى المدينة فأقام بها الى وقت الحج بالناس ، ومشى من مكة إلى منى إلى عرفات ، وشهد المشاعر كلها ماشيا ، ورجع على طريق البصرة ، ولا يعرف من ملوك الدنيا ملك حج ماشيا سوى ملكين هرقل بن هرقل بن انتونيس ـ من أهل صلوقيا ـ حجّ من حمص إلى إيليا ـ التى هى بيت المقدس ـ ماشيا ، ووافاه كتاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فى سفرته هذه يدعوه إلى الإسلام ـ كما وقع فى الصحيحين وغيرهما ـ والملك الثانى هارون الرشيد.
وذكر محمد بن حزم فى كتاب «جمهرة الأنساب» أن موسى الهادى بن محمد المهدى كان له أم ولد تسمى «أمة العزيز» ، تزوجها أخوه هارون من بعده ، وهى التى كان
__________________
(١) انظر : (وفيات الأعيان ٢ / ١٧٩ ، النجوم ٢ / ٩٥ ، ٣ / ١٦١ ، الطبرى ١٠ / ٦٥ ، الكامل ٦ / ٤٧ ، مرآة الجنان ١ / ٣٧٠ ، الأعلام ٨ / ١٢٠).
(٢) انظر : (وفيات الأعيان ٢ / ١٠٨ ، تاريخ بغداد ١٣ / ٢٣٥ ، ابن الأثير ٥ / ٢٢١ ، المرزبانى ٤٠٠ ، آمالى المرتضى ١ / ١٦١ ، نزهة الجليس ٢ / ٢٢٦ ، خزانة الأرب ١ / ١٨٢ ، رغبة الآمل ٨ / ١٦٨ ، الأعلام ٧ / ١٧٣).
(٣) انظر : (النجوم الزاهرة ٢ / ٩٥ ، جمهرة الأنساب ٢٨٩٠ ، الوفيات ٢ / ١٧٦ ، مجلة لغة العرب ٨ / ٩٢ ، الأعلام ٥ / ١٢٨).