" ذكر دارا ابن شمس المعالى"
بعد أن تحول" دارا" من كنف" أبى على" إلى جانب الملك" الرضى" وكان ملازما لخدمته ومنتفعا بنعمته إلى أن تربع" شمس المعالى" على ملكه ، واستغنى" دارا" بخدمة والده عن خدمة الآخرين ، وكان عند والده محظوظا ومشمولا بعين العطف والرعاية وما يكون بين الأب وابنه إلى أن أوفده إلى" طبرستان" وأقام بها فترة من الزمن ، لأداء المهام والتى من بينها الطاعة ورعاية المطاعة والقيام بالتصدى للمتمردين على حكم والده ، ولكن تم استدعاؤه لوشاية ألحقت به فوصل إلى" إستراباد" فى بلاط أبيه ، وبرهن على براءة ساحته ، ورحب والده بقبول أعذاره ، وأكرم وفادته ، واستدعاه بعد عدة أيام للمثول أمامه ، فانشغل فكر" دارا" وركب ليمضى إلى أبيه ، وفى الطريق أسف على ذلك ، ولوى عنانه واتجه إلى" خراسان" مستترا فى أدغال" طبرستان" إلى أن علم" شمس المعالى" بحاله وبعث فى أثره الفرسان وكان قد قطع مسافة كبيرة فلما بلغ حدود" خراسان" أمن من عواصف بأس أبيه ، وقواصف غيظه ، ودخل إلى حضرة السلطان ، ووجد فى بلاطه المكان المعمور والموضع المرموق ، وتشرف بأنواع العطايا والإنعام والإكرام وأفسد قربه للسلطان ومكانته فى مجلسه بغرور الشباب وقلة الوقار ، وخاف من تغير السلطان عليه وتغير رأيه فيه فهرب متخفيا تحت جنح الليل ، فكلف السلطان أشخاصا بالسعى لطلبه فلم يلحقوا بغبار موكبه ، ووصل إلى ولاية" غرش" لدى الملك" شار" ولجأ إلى حماه لما كان بينهما من مودة قديمة فأرسل السلطان أمرا مكتوبا لطلبه واسترداده ، وهدده بالوعد والوعيد ، فأرسل الملك" شار"" دارا" إلى السلطان من باب الخوف والاضطراب ، فقضى فترة فى الحبس والقيد ، ونجا من القيد مرة واحدة بطريقة لا تصدق ، ولكن حارس أيام العذاب وبكاء عصر الأحزان ، أمسك به ، حيث قبض عليه أعوان السلطان واعتقلوه بمزيد من العنف والتقييد ، وشد الوثاق وحملوه إلى مكان أكثر حصنا حتى زال ما فى نفس السلطان منه وصفح عنه ومنحه حياة جديدة وعيشة سعيدة ، وأمر بإطلاق سراحه ، وبسط له عوائد الإحسان وموائد الامتنان وفق المعهود وفوض إليه ولاية" جرجان" و" طبرستان" وعين" أرسلان جاذب" لمؤازرته ومعاونته ، ولو لا أن كفاءة" ملك المعالى" فى إظهار الطاعة وبذل الطاقة لما كان قد تدارك أمر نفسه ، ولكان قد فقد ملكه وداره لكن لما