تقديم
مما لا شك فيه أن نمط الكتابة التاريخية ذات الاتجاه المحلى الذى يهتم بالمدن والأقاليم من أهم أنماط التدوين التاريخى الذى كتب به المؤرخون المسلمون فى المشرق والمغرب على السواء ، وقد ارتبط هذا الاتجاه بشعور الانتماء الذى يلازم المؤرخ كإنسان تجاه مسقط رأسه أى المدينة التى ولد فيها أو الإقليم الذى ينتسب إليه.
ومن خلال در استنا لتلك الظاهرة نرجح أن هناك أكثر من عامل ساعد على ظهور مثل هذه الكتب الإقليمية ، منها مثلا الموروث التراثى الذى تم بنقله وترجمته إلى العربية وضع تجارب وأنماط حضارات قديمة كاليونانية والفارسية والهندية وغيرها من كتب الأقاليم كنماذج يحتذى بها من جانب المؤرخ المسلم.
ولا مانع أن يكون العامل السياسى ، الذى يمكن أن نطلق عليه نمو الشعور بالذاتية الإقليمية فى صورة الحركة الاستقلالية قد أدى إلى تفاعل المؤرخ فى هذه الأقاليم أن يكتب لمدنه وأقاليمه تاريخا خاصا مستقلا يركز فيه على المفاخر السياسية والحضارية للبلد الذى بنتمى إليه المؤرخ. وربما يندفع المؤرخ بقلمه لكتابة تاريخ إقليم أو مدينة تحت تأثير أو إغراء السلطة السياسية التى ربما طلب حكامها من المؤرخين وضع كتب لإظهار تواريخ ولاياتهم أو عواصم دولهم ، كما هو الحال مثلا عند النرسخى مع السامانيين أو العتيبى مع الغزنويين.
وهناك عامل آخر ربما ساعد على ظهور كتب الأقاليم والمدن وهو عامل اجتماعى نفسى ، حيث يميل المؤرخ كإنسان إلى تصوير ما كان عليه مجتمعه من حالة سياسية وعسكرية واجتماعية ، وهى تميل إلى التعددية فى قواها السياسية والمذهبية بالمشرق الإسلامى ، مما أدى إلى تعدد كتب الأقاليم والمدن.
ويرتبط بكتب الأقاليم والمدن ونموها ، الحديث عن ظاهرة أدبية ترتبط بلغة هذه الكتب ، حيث إن المؤرخ المسلم ظل ما يقرب من ثلاثة قرون تقريبا يكتب باللغة العربية لغة الإسلام والحضارة ، ثم تدرج استخدام الفارسية الحديثة فى المشرق وخاصة