ذكر نهاية حال شمس المعالى (١)
كان شمس المعالى مع خصوصية مناقبه ونفاذ بصيرته فى عواقب الأمور صاحب طبع جاف وخشونة فلم يأمن أحد قط من عنفه وسطوته ومرارة كأس بأسه ، ولهذا السبب فقد هلك الكثير على يديه ، ونزعت القلوب منه ، وامتلأت حسدا له وحقدا عليه ، وكان من بين خدمه وجنده حاجبه نعيم الذى كان رجلا نقى الصدر مخلصا ، وكان مصونا ومعروفا وموصوفا بلين الجانب ، وكان شمس المعالى قد فوض إليه إستراباد وضبط أموال وشؤون هذه المنطقة ، فلما اتهم بالاختلاس أمر بقتله ، وكان يصيح معلنا براءة ساحته ونقاء جيبه (وراحته) ، وكان يطلب مهلة من الوقت ليكشف عن حقيقة هذا الأمر ، إلا أنه بعد أن اتضحت براءة ساحته أنفذ فيه عقوبة القتل ، فوقع تذمر شديد لمقتله بين صفوف الجيش ، فوطن الجميع على خلع طاعته ، وقرروا المجاهرة بكلمة العصيان وتخليص أنفسهم من عار جبروته ، وآنذاك كان هو قد خرج من جرجان ومضى إلى معسكر جناشك بسبب اشتداد حرارة الجو ، وكان لا يعلم بما تكن هذه الجماعة له من مكائد وفكر سىء حتى أحاطوا بقصره ذات ليلة وأغاروا على ما به من متاع وسلاح ودواب ، ونهض خواص حضرته لدفعهم وأنقذوه من مضرة عدوانهم.
ولما لم يتيسر الهدف لتلك الجماعة لما كانت ترمى إليه ذهبوا إلى جرجان واستولوا على المدينة قهرا وعنوة ، واستدعوا الأمير منوجهر من طبرستان ، وقد بادر بمحاولة تدارك الأمر بسبب امتعاضه وغيظه من جراء ما وقع لوالده وتحقيق مكيدة هؤلاء القوم ، وعند ما وصل إلى جرجان رأى الجيش فى حالة اضطراب ، وقد خرج الأمر من يده وبعثت فرق الجيش إليه برسالة مفادها بأنك إذا اتفقت معنا على خلع وعزل والدك فسوف ننخرط جميعا فى طاعتك برغبة صادقة ، وإلا سوف نبايع شخصا آخر ، أو نذهب إلى مكان آخر ، ولم يجد الأمير منوجهر بدا من الملاينة والمساهلة ، وفكر منوجهر بأنه (لو لم يتفق معهم) فسوف يمزق حجاب الحشمة والعظمة ، وتزداد
__________________
(١) جاء ذكر هذا فى ترجمة تاريخ اليمينى ص ٣٦٩ ، وما بعدها ، المحقق.