لونك ووجهك لا يكونان أبدا مستقرين فأجاب إن مثلى ومثلكم مثل صقر الصيد والديك عند ما تحاورا معا قال الصقر للديك : لم أر فى الدنيا شخصا أكثر منك فى عدم الوفاء وعدم المروءة ، قال لماذا؟ قال : بحكم أن أربابك يأخذون البيضة وأنت ما زلت فى حال العدم ، ثم تخرج أنت إلى الحياة برعايتهم وتربيتهم ، ويعدون لك عشا ويزوجونك ويرون واجبا عليهم أن يحملوا هم توفير الحب لك يوما بيوم ويقدمون هذا الحب إلى منقارك وكلما اتجهوا إليك فإن صياحك يصل إلى العيوق (فى عنان السماء) ، وتقفز من حى إلى حى ، وتجرى من محلة إلى محلة وأنت تشنع بهم وتصير عاقا وابقا بينما أنا الذى منشئى ومولدى هو بالأماكن الجبلية والتى لا يأتيها إنسان ، وأكون قد ترببت لسنوات فإذا ما صرت إلى إنسان وأخذنى فبقليل من الرعاية والتفقد أصير مستأنسا وأوطن القلب على موالاتهم ، وحين يطلقوننى للصيد وأدركه وأمسك به فاحتفظ به حتى يصلوا وأسلمه لهم ، وإذا ما أطلقونى للطيران فإنهم إذا ما استدعونى آتى إليهم فلما سمع الديك كلام الصقر حتى نهايته ، قال : حجتى قد خفيت عليك فأنت لم تر كل عمرك صقرا متعلقا فى سيخ ويشوى فى موقد لكنى أرى كل يوم ألف ديك فى الأسياخ معلقة ، فلو أنكم ترون وتعلمون ما أراه وأعلمه من" المنصور لما استطعتم أن تشربوا جرعة ماء واحدة فى أمن خوفا منه ومن بطشه ، وكانوا يلقبون" المنصور" بلقب" أبو الدوانيق" ، لأنه أمر بعمارة قلعة" خندق الكوفة" ، وكتب لكل رأس دانقا من الذهب ، ولما فرغ من ذلك بنى مدينة" بغداد" وحثه" الموريانى" أن يخرب قصر إيوان كسرى فى المدائن وينقل تلك العمارة والآلات إلى بغداد ، حتى تكون النفقة أقل فاستدعى" المنصور خالد البرمكى" وتشاور معه فى الأمر فأجابه" خالد" بأن لا يسمع هذا الكلام ؛ لأن قصر وإيوان كسرى هى آية للإسلام حتى يوم القيامة وكل من يرى هذا القصر وعمارته يدرك أنه لا يمكن لأحد إلا أنبياء الله أن يقهر صاحب هذا القصر ، وفوق ذلك فقد كان مصلى" أمير المؤمنين" على عليه السلام" ولو تخرب هذا القصر فسوف تكون نفقة خرابه أكثر من الانتفاع به فقال المنصور : [خالد أبيت إلا ميلا إلى العجمية"] وأمر بأن يهدم فلما انقضت مدة فى الهدم ثم عمل محاسبة للتكاليف الهدم والمنفعة وكانت نفقات الهدم ضعف الفائدة منه ، فاستدعى خالد وقال له صرنا إلى رأيك ، فقال خالد محذرا : أخشى أن أردد هذا الكلام من بعد فسوف أقول إن