المغرب وسكنه سودان المغرب وتجاوزوا فيه خطّ الاستواء إلى جبال القمر التي منها منابيع نيل مصر فحصل البحر هناك فيما بين جبال وشعاب ذوات مهابط ومصاعد ، يتردد فيه الماء بالمدّ والجزر الدائمين ويتلاطم فيحطم السفن ويمنع السّلاك ومع هذا فليس بمانعة عن الاتصال ببحر أوقيانوس من تلك المضائق ، ومن جهة الجنوب وراء تلك الجبال فقد وجدت علامات اتصالها ولم يشاهد ، وبذلك صار برّ المعمورة وسط ما قد أحاط به باتصال ، وفي خلال هذا البرّ مستنقعات مياه كثيرة مختلفة المقادير ؛ فمنها ما استحق بعظمته اسم البحر كبحر نيطش الأرمني وبحر الرّوم وبحر الخزر.
وإذا تقررت جملة المعمورة على هذه الهيئة قلنا إنّ قسمة الأرض إلى أقسام تقوم مقام الأجناس مختلفة عند الأمم وأولاها التسبيع بالأقاليم الممتدّة من شرق الأرض إلى مغربها بالتلاصق في العرض ، والإقليم هو الناحية والرستاق ، والأصل فيها أنّ الاختلافات المحسوسة إنما تكون بالمسير في العرض (١) وأظهرها لعامة الناس اختلاف النهار والليل فإنّه منوط بالشتاء والصيف فجعلوا [٣٧ ب] ما يوجب تفاوت نصف ساعة إقليما ، وهذا ما اخترناه من كلام أبي الريحان.
الكلام على الإقليم الحقيقي والعرفي
الإقليم على قسمين : إقليم حقيقي وهو أحد الأقاليم السبعة المشهورة ، وعرفي وهو كلّ ناحية أو مملكة تشتمل على عدّة كثيرة من الأماكن والبلاد مثل الشّام والعراق وغيرهما ، وقد يكون الإقليم العرفي بعضا من الإقليم الحقيقي ، وقد يكون بعضا من الإقليمين مثل الشّام فإن بعضه من الإقليم الثّالث
__________________
(١) في الأصل : «الأرض» وفي (س) والتقويم (١٣): «العروض» وما أثبتناه من (ر) والقانون.