أعظم ما في هذا الجامع المبارك قبة الرصاص المتصلة بالمحراب وسطه ، سامية في الهواء ، عظيمة الاستدارة ، قد استقل بها هيكل عظيم هو غارب لها ، يتصل من المحراب إلى الصحن ، وتحته ثلاث قباب : قبة تتصل بالجدار الذي إلى الصحن ، وقبة تتصل بالمحراب ، وقبة تحت قبة الرصاص بينهما. والقبة الرصاصية قد أغضت الهواء وسطه ، فإذا استقبلتها أبصرت منظرا رائعا ، ومرأى هائلا ، يشبهه الناس بنسر طائر ، كأن القبة رأسه ، والغارب جؤجؤه ، ونصف جدار البلاط عن يمين ، ونصف الثاني عن شمال ، جناحاه. وسعة هذا الغارب من جهة الصحن ثلاثون خطوة ، فهم يعرفون الموضع من الجامع بالنسر لهذا التشبيه الواقع عليه. ومن أي جهة استقبلت البلد ترى القبة في الهواء منيفة على كل علو كأنها معلقة من الجو.
والجامع المكرم مائل إلى الجهة الشمالية من البلد. وعدد شمسياته الزجاجية المذهبة الملونة أربع وسبعون : منها في القبة التي تحت قبة الرصاص عشر ، وفي القبة المتصلة بالمحراب مع مايليها من الجدار أربع عشرة شمسية ، وفي طول الجدار عن يمين المحراب ويساره أربع وأربعون ، وفي القبة المتصلة بجدار الصحن ست ، وفي ظهر الجدار إلى الصحن سبع وأربعون شمسية.
وفي الجامع المكرم ثلاث مقصورات : مقصورة الصحابة ، رضي الله عنهم ، وهي أول مقصورة وضعت في الإسلام ، وضعها معاوية بن أبي سفيان ، رضي الله عنهما ، وبإزاء محرابها عن يمين مستقبل القبلة باب حديد ، كان يدخل معاوية ، رضي الله عنه ، المقصورة منه إلى المحراب. وبإزاء محرابها لجهة اليمين مصلى أبي الدرداء ، رضي الله عنه ، وخلفها كانت دار معاوية ، رضي الله عنه ، وهي اليوم سماط عظيم للصفارين ، يتصل بطول جدار الجامع القبلي ، ولا سماط أحسن منظرا منه ولا أكبر طولا وعرضا. وخلف هذا السماط على مقربة منه دار الخليل برسمه ، وهي اليوم مسكونة ، وفيها مواضع للكمادين. وطول المقصورة الصحابية المذكورة أربعة وأربعون شبرا ، وعرضها نصف الطول. ويليها لجهة الغرب ، في وسط الجامع ، المقصورة التي أحدثت عند إضافة النصف المتخذ كنيسة إلى الجامع ؛ حسبما تقدم ذكره ، وفيها منبر الخطبة ومحراب الصلاة.
وكانت مقصورة الصحابة أولا في نصف الحظ الإسلامي من الكنيسة ، وكان