الجدار حيث أعيد المحراب في المقصورة المحدثة ، فلما أعيدت الكنيسة كلها مسجدا صارت مقصورة الصحابة طرفا في الجانب الشرقي ، وأحدثت المقصورة المحدثة أكبر من الصحابية. وبالجانب الغربي بإزاء الجدار مقصورة أخرى ، هي برسم الحنفية يجتمعون فيها للتدريس ، وبها يصلون. وبإزائها زاوية محدقة بالأعواد المشرجبة كأنها مقصورة صغيرة. وبالجانب الشرقي زاوية أخرى على هذه الصفة هي كالمقصورة ، كان وضعها للصلاة فيها أحد أمراء الدولة التركية ، وهي لا صقة بالجدار الشرقي. وبالجامع المكرم عدة زوايا على هذا الترتيب يتخذها الطلبة للنسخ والدرس والانفراد عن ازدحام الناس ، وهي من جملة مرافق الطلبة.
وفي الجدار المتصل بالصحن ، المحيط بالبلاطات القبلية ، عشرون بابا متصلة بطول الجدار قد علتها قسيّ جصية مخرّمة كلها على هيئة الشمسيات ، فتبصر العين من اتصالها أجمل منظر وأحسنه. والبلاط المتصل بالصحن ، المحيط بالبلاطات من ثلاث جهات ، على أعمدة ، وعلى تلك الأعمدة أبواب مقوسة تقلها أعمدة صغار تطيف بالصحن كله. ومنظر هذا الصحن من أجمل المناظر وأحسنها ، وفيه مجتمع أهل البلد ، وهو متفرجهم ومتنزههم كل عشية ، تراهم فيه ذاهبين وراجعين من شرق إلى غرب ، من باب جيرون إلى باب البريد. فمنهم من يتحدث مع صاحبه ، ومنهم من يقرأ ، لا يزالون على هذه الحال من ذهاب ورجوع إلى انقضاء صلاة العشاء الآخرة ثم ينصرفون. ولبعضهم بالغداة مثل ذلك ، وأكثر الاحتفال إنما هو بالعشي فيخيل لمبصر ذلك أنها ليلة سبع وعشرين من رمضان المعظم لما يرى من احتفال الناس واجتماعهم ، لا يزالون على ذلك كل يوم. وأهل البطالة من الناس يسمونهم الحراثين.
وللجامع ثلاث صوامع : واحدة في الجانب الغربي ، وهي كالبرج المشيد ، يحتوي على مساكن متسعة وزوايا فسيحة راجعة كلها إلى أغلاق يسكنها أقوام من الغرباء أهل الخير. والبيت الأعلى منها كان معتكف أبي حامد الغزالي ، رحمه الله ، ويسكنه اليوم الفقيه الزاهد أبو عبد الله بن سعيد من أهل قلعة يحصب المنسوبة لهم ، وهو قريب لبني سعيد المشتهرين بالدينا وخدمتها ؛ وثانية بالجانب الغربي على هذه الصفة ؛ وثالثة بالجانب الشمالي على الباب المعروف بباب الناطفيين.