منها الخراب. كانت من مدن الروم العتيقة ، ولهم فيها من البناء آثار تدل على عظم اعتنائهم بها. ولها قلعة حصينة في جوفيها تنقطع عنها وتنحاز منها. ومدن هذه الجهات كلها لا تخلو من القلاع السلطانية وأهلها أهل فضل وخير ، سنيون شافعيون ، وهي مطهرة بهم من أهل المذاهب المنحرفة ، والعقائد الفاسدة ، كما تجده في الأكثر من هذه البلاد. فمعاملاتهم صحيحة ، وأحوالهم مستقيمة ، وجادتهم الواضحة في دينهم من اعتراض بنيات الطريق سليمة. فكان نزولنا خارجها ، في أحد بساتينها ، وأقمنا يوما مريحين ثم رحلنا نصف الليل ، ووصلنا بزاعة ضحوة يوم السبت الثاني عشر لربيع المذكور.
ذكر بلدة بزاعة كلأها الله عز وجل
بقعة طيبة الثرى ، واسعة الذرى ، تصغر عن المدن وتكبر عن القرى ، بها سوق تجمع بين المرافق السفرية ، والمتاجر الحضرية. وفي أعلاها قلعة كبيرة حصينة ، رامها أحد ملوك الزمن فغاظته باستصعابها ، فأمر بثلم بنائها ، حتى غادرها عورة منبوذة بعرائها. ولهذه البلدة عين معينة يخترق ماؤها بسيط بطحاء ترف بساتينها خضرة ونضارة ، وتريك برونقها الأنيق حسن الحضارة.
ويناظرها في جانب البطحاء قرية كبيرة تعرف بالباب ، هي باب بين بزاعة وحلب ، وكان يعمرها منذ ثماني سنين قوم من الملاحدة الإسماعيلية لا يحصي عددهم إلا الله ، فطار شرارهم ، وقطع هذه السبيل فسادهم وأضرارهم ، حتى داخلت أهل هذه البلاد العصبية ، وحرّكتهم الأنفة والحمية ، فتجمعوا من كل أوب عليهم ، ووضعوا السيوف فيهم ، فاستأصلوهم عن آخرهم ، وعجلوا بقطع دابرهم ، وكومت بهذه البطحاء جماجمهم ، وكفى الله المسلمين عاديتهم وشرهم ، وأحاق بهم مكرهم ، والحمد لله رب العالمين. وسكانها اليوم قوم سنيون ، فأقمنا بها يوم السبت ببطحاء هذه البلدة مريحين ، ورحلنا منها في الليل وأسرينا إلى الصباح ، ووصلنا مدينة حلب ضحوة يوم الأحد الثالث عشر لربيع الأول ، والرابع والعشرين ليونيه.