وهو نصف الطريق من حرّان إلى الفرات ، ويقابلها على اليمين من الطريق ، في استقبالك الفرات إلى الشام ، مدينة سروج التي شهر ذكرها الحريري بنسبة أبي زيد إليها ، وفيها البساتين والمياه المطردة حسبما وصفها به في مقاماته.
فكان وصولنا الفرات ضحوة النهار ، وعبرنا في الزوارق المقلة المعدة للعبور إلى قلعة جديدة على الشط تعرف بقلعة نجم ، وحولها ديار بادية ، وفيها سويقة يوجد فيها المهم من علف وخبز ، فأقمنا بها يوم الخميس العاشر لربيع الأول المذكور مريحين خلال ما تكمل القافلة بالعبور. وإذا عبرت الفرات حصلت في حد الشام وسرت في طاعة صلاح الدين إلى دمشق.
والفرات حد بين ديار الشام وديار ربيعة وبكر. وعن يسار الطريق ، في استقبالك الفرات إلى الشام ، مدينة الرقة ، وهي على الفرات ، وتليها رحبة مالك بن طوق وتعرف برحبة الشام ، وهي من المدن الشهيرة. ثم رحلنا منها عند مضي ثلث الليل الأول وأسرينا ووصلنا مدينة منبج مع الصباح من يوم الجمعة الحادي عشر لربيع المذكور ، والثاني والعشرين ليونيه.
ذكر مدينة منبج
حرسها الله
بلدة فسيحة الأرجاء ، صحيحة الهواء ، يحف بها سور عتيق ممتد الغاية والانتهاء ، جوها صقيل ومجتلاها جميل ، ونسيمها أرج النشر عليل ، نهارها يندى ظله ، وليلها كما قيل فيه : سحر كله ؛ تحف بغربيها وبشرقيها بساتين ملتفة الأشجار ، مختلفة الثمار. والماء يطرد فيها ، ويتخلل جميع نواحيها ، وخصص الله داخلها بآبار معينة ، شهدية العذوبة ، سلسبيلية المذاق ، تكون في كل دار منها البئر والبئران. وأرضها أرض كريمة ، تستنبط مياها كلها. وأسواقها وسككها فسيحة متسعة ، ودكاكينها وحوانيتها كأنها الخانات والمخازن اتساعا وكبرا ، وأعالي أسواقها مسقفة. وعلى هذا الترتيب أسواق أكثر مدن هذه الجهات. لكن هذه البلدة تعاقبت عليها الأحقاب ، حتى أخذ