قائمة الکتاب
نص الرحلة
١٧
إعدادات
تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار
تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار
المؤلف :محمّد بن أحمد بن جبير الأندلسي
الموضوع :التاريخ والجغرافيا
الناشر :المؤسسة العربيّة للدراسات والنشر
الصفحات :303
تحمیل
ذكر مدينة حلب حرسها الله تعالى
بلدة قدرها خطير ، وذكرها في كل زمان يطير ، خطابها من الملوك كثير ، ومحلها من التقديس أثير ، فكم هاجت من كفاح ، وسلت عليها من بيض الصفاح ، لها قلعة شهيرة الامتناع ، بائنة الارتفاع ، معدومة الشبه والنظير في القلاع ، تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع ، قاعدة كبيرة ، ومائدة من الأرض مستديرة منحوتة الأرجاء ، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء ، فسبحان من أحكم تقديرها وتدبيرها ، وأبدع كيف شاء تصويرها وتدويرها ، عتيقة في الأزل ، حديثة وإن لم تزل ، قد طاولت الأيام والأعوام ، وشيعت الخواص والعوام ، هذه منازلها وديارها ، فأين سكانها قديما وعمارها؟ وتلك دار مملكتها وفناؤها ، فأين أمراؤها الحمدانيون وشعراؤها؟ أجل ، فني جميعهم ، ولم يئن بعد فناؤها! فيا عجبا للبلاد تبقى وتذهب أملاكها ، ويهلكون ولا يقضى هلاكها ، تخطب بعدهم فلا يتعذر ملاكها ، وترام فيتيسر بأهون شيء إدراكها.
هذه حلب ، كم أدخلت من ملوكها في خبر كان ، ونسخت ظرف الزمان بالمكان ، أنث اسمها فتحلت بزينة الغوان ، ودانت بالغدر فيمن خان ، وتجلت عروسا بعد سيف دوالتها ابن حمدان ، هيهات! هيهات! سيهرم شبابها ، ويعدم خطابها ويسرع فيها بعد حين خرابها ، وتتطرق جنبات الحوادث إليها ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، لا اله سواه ، سبحانه جلت قدرته.
وقد خرج بنا الكلام عن مقصده ، فلنعد ما كنا بصدده ، فنقول : ان من شرف هذه القلعة أنه يذكر أنها كانت قديما في الزمان الأول ربوة يأوي إليها إبراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم ، بغنيمات له فيحلبها هنالك ويتصدق بلبنها فلذلك سميت حلب ، والله أعلم. وبها مشهد كريم له يقصده الناس ويتبركون بالصلاة فيه.
ومن كمال خلالها المشترطة في حصانة القلاع أن الماء بها نابع ، وقد صنع عليه جبان ، فهما ينبعان ماء فلا تخاف الظمأ أبد الدهر ، والطعام يصبر فيها الدهر كله ، وليس في شروط الحصانة أهم ولا آكد من هاتين الحلتين. ويطيف بهذين الجبين المذكورين سوران حصينان من الجانب الذي ينظر للبلد ، ويعترض دونهما خندق لا