قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تحمیل

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

197/303
*

ذكر مدينة حلب حرسها الله تعالى

بلدة قدرها خطير ، وذكرها في كل زمان يطير ، خطابها من الملوك كثير ، ومحلها من التقديس أثير ، فكم هاجت من كفاح ، وسلت عليها من بيض الصفاح ، لها قلعة شهيرة الامتناع ، بائنة الارتفاع ، معدومة الشبه والنظير في القلاع ، تنزهت حصانة أن ترام أو تستطاع ، قاعدة كبيرة ، ومائدة من الأرض مستديرة منحوتة الأرجاء ، موضوعة على نسبة اعتدال واستواء ، فسبحان من أحكم تقديرها وتدبيرها ، وأبدع كيف شاء تصويرها وتدويرها ، عتيقة في الأزل ، حديثة وإن لم تزل ، قد طاولت الأيام والأعوام ، وشيعت الخواص والعوام ، هذه منازلها وديارها ، فأين سكانها قديما وعمارها؟ وتلك دار مملكتها وفناؤها ، فأين أمراؤها الحمدانيون وشعراؤها؟ أجل ، فني جميعهم ، ولم يئن بعد فناؤها! فيا عجبا للبلاد تبقى وتذهب أملاكها ، ويهلكون ولا يقضى هلاكها ، تخطب بعدهم فلا يتعذر ملاكها ، وترام فيتيسر بأهون شيء إدراكها.

هذه حلب ، كم أدخلت من ملوكها في خبر كان ، ونسخت ظرف الزمان بالمكان ، أنث اسمها فتحلت بزينة الغوان ، ودانت بالغدر فيمن خان ، وتجلت عروسا بعد سيف دوالتها ابن حمدان ، هيهات! هيهات! سيهرم شبابها ، ويعدم خطابها ويسرع فيها بعد حين خرابها ، وتتطرق جنبات الحوادث إليها ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، لا اله سواه ، سبحانه جلت قدرته.

وقد خرج بنا الكلام عن مقصده ، فلنعد ما كنا بصدده ، فنقول : ان من شرف هذه القلعة أنه يذكر أنها كانت قديما في الزمان الأول ربوة يأوي إليها إبراهيم الخليل ، عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم ، بغنيمات له فيحلبها هنالك ويتصدق بلبنها فلذلك سميت حلب ، والله أعلم. وبها مشهد كريم له يقصده الناس ويتبركون بالصلاة فيه.

ومن كمال خلالها المشترطة في حصانة القلاع أن الماء بها نابع ، وقد صنع عليه جبان ، فهما ينبعان ماء فلا تخاف الظمأ أبد الدهر ، والطعام يصبر فيها الدهر كله ، وليس في شروط الحصانة أهم ولا آكد من هاتين الحلتين. ويطيف بهذين الجبين المذكورين سوران حصينان من الجانب الذي ينظر للبلد ، ويعترض دونهما خندق لا