وهذا المسجد هو بين الجامع الجديد وباب الجسر ، يجده المار إلى الجامع من باب الجسر عن يساره. فتبركنا بزيارة هذا القبر المقدس والوقوف عنده ، نفعنا الله بذلك. ومما خص الله به هذه البلدة أن في الشرق منها إذا عبرت دجلة على نحو الميل تل التوبة ، وهو التل الذي وقف به يونس ، عليه السلام ، بقومه ودعا ودعوا حتى كشف الله عنهم العذاب. وبمقربة منه على قدر الميل أيضا العين المباركة المنسوبة إليه ، ويقال : إنه أمر قومه بالتطهر فيها وإضمار التوبة ، ثم صعدوا على التل داعين.
وفي هذا التل بناء عظيم هو رباط يشتمل على بيوت كثيرة ومقاصر ومطاهر وسقايات ، يضم الجميع باب واحد ، وفي وسط ذلك البناء بيت ينسدل عليه ستر وينغلق دونه باب كريم مرصع كله ، يقال : إنه كان الموضع الذي وقف فيه يونس ، صلى الله عليه وسلم ، ومحراب هذا البيت يقال إنه كان بيته الذي كان يتعبد فيه. ويطيف بهذا البيت شمع كأنه جذوع النخل عظما ، فيخرج الناس إلى هذا الرباط كل ليلة جمعة ويتعبدون فيه. وحول هذا الرباط قرى كثيرة ، ويتصل بها خراب عظيم ، يقال : إنه كان مدينة نينوى ، وهي مدينة يونس عليه السلام. وأثر السور المحيط بهذه المدينة ظاهر ، وفرج الأبواب فيه بينة ، وأكوام أبراجه مشرفة. بتنا بهذا الرباط المبارك ليلة الجمعة السادس والعشرين لصفر ، ثم صبحنا العين المباركة ، وشربنا من مائها وتطهرنا فيها وصلينا في المسجد المتصل بها ، والله ينفع بالنية في ذلك بمنّه وكرمه.
وأهل هذه البلدة على طريقة حسنة ، يستعملون أعمال البرّ ، فلا تلقى منهم إلا ذا وجه طلق وكلمة لينة. ولهم كرامة للغرباء وإقبال عليهم ، وعندهم اعتدال في جميع معاملاتهم. فكان مقامنا في هذه البلدة أربعة أيام.
أبهة استقبال الخاتون
ومن أحفل المشاهد الدنيوية المريبة بروز شاهدناه يوم الأربعاء ثاني يوم وصولنا الموصل للخاتونين : أم عز الدين صاحب الموصل ، وبنت الأمير مسعود المتقدم ذكرها ، فخرج الناس على بكرة أبيهم ركبانا ومشاة ، وخرج النساء كذلك ، وأكثرهن