راكبات ، وقد اجتمع منهن عسكر جرار. وخرج أمير البلد للقاء والدته مع زعماء دولته. فدخل الحاج المواصلة صحبة خاتونهم على احتفال وأبهة قد جللوا أعناق إبلهم بالحرير المللون ، وقلدوها القلائد المزوقة.
ودخلت خاتون المسعودية تقود عسكر جواريها وأمامها عسكر رجالها يطوفون بها ، وقد جللت قبتها كلها سبائك ذهب مصوغة أهلة ودنانير سعة الأكف وسلاسل وتماثيل بديعة الصفات ، فلا تكاد تبين من القبة موضعا ، ومطيتاها تزحفان بها زحفا ، وصخب ذلك الحلي يسد المسامع ، ومطاياها مجللة الأعناق بالذهب ، ومراكب جواريها كذلك ؛ مجموع ذلك الذهب لا يحصى تقديره. وكان مشهدا أبهت الأبصار ، وأحدث الاعتبار ، وكل ملك يفنى إلا ملك الواحد القهار ، لا شريك له. وأخبرنا غير واحد من الثقات ، ممن يعرف حال خاتون هذه ، وأنها موصوفة بالعبادة والخير ، مؤثرة لأفعال البر. فمنها أنها أنفقت في طريقها هذا إلى الحجاز ، في صدقات ونفقات في السبيل ، مالا عظيما ، وهي تحب الصالحين والصالحات تزورهم متنكرة رغبة في دعائهم. وشأنها عجيب كله على شبابها وانغماسها في نعيم الملك. والله يهدي من يشاء من عباده.
وفي عشي اليوم الرابع من المقام بهذه البلدة ، وهو يوم الجمعة السادس والعشرين لصفر المذكور ، رحلنا منها على دواب اشتريناها بالموصل تفاديا من معاملة الجمّالين. على أن القدر المحمود لم يسبب لنا إلا صحبة الأشبه منهم ، ومن شكرناه على طول الصحبة ، وتماديها من مكة ، شرفها الله ، إلى الموصل. فأسرينا ليلة السبت إلى بعيد نصف الليل ، ثم نزلنا بقرية من قرى الموصل. ورحلنا منها ضحوة يوم السبت المذكور ، وقلنا بقرية تعرف بعين الرصد ، وكان مقيلنا تحت جسر معقود على واد يتحدر فيه الماء ، وكان مقيلا مباركا. وفي تلك القرية خان كبير جيد. وفي محلات الطريق كلها خانات. واتفق مبيتنا تلك الليلة بالقرية المذكورة ، وأسرينا منها وأصبحنا يوم الأحد بقرية تعرف بالمويلحة ، وأسرينا منها وبتنا بقرية كبيرة تعرف بجدال لها حصن عتيق. وفي يومنا هذا رأينا ، عن يمين الطريق ، جبل الجودي المذكور في كتاب الله تعالى الذي استوت عليه سفينة نوح ، عليه السلام ، وهو جبل عال مستطيل. ثم رحلنا في السحر الأعلى من يوم الاثنين التاسع والعشرين لصفر ، فكان مبيتنا في قرية من قرى نصيبين ، ومنها إليها مرحلة ، ويعرف الموضع المذكور بالكلابي.