من بعض. وباطن الداخل منها بيوت ، بعضها على بعض ، مستديرة بجداره المطيف بالبلد كله ، كأنه قد تمكن فتحها فيه لغلظ بنيته وسعة وضعه. وللمقاتلة في هذه البيوت حرز وقاية ، وهي من المرافق الحربية. وفي أعلى البلد قلعة عظيمة قد رص بناؤها رصا ، ينتظمها سور عتيق البنية مشيد البروج ، وتتصل بها دور السلطان. وقد فصل بينهما وبين البلد شارع متسع يمتد من أعلى البلد إلى أسفله. ودجلة شرقي البلد ، وهي متصلة بالسور ، وأبراجه في مائها.
وللبلدة ربض كبير فيه المساجد والحمامات والخانات والأسواق ، وأحدث فيه بعض أمراء البلدة ، وكان يعرف بمجاهد الدين ، جامعا على شط دجلة ، ما أرى وضع جامع أحفل منه ، بناء يقصر الوصف عنه وعن تزيينه وترتيبه ، وكل ذلك نقش في الآجر. وأما مقصورته فتذكر بمقاصير الجنة ، ويطيف به شبابيك حديد ، تتصل بها مصاطب تشرف على دجلة لا مقعد أشرف منها ولا أحسن. ووصفه يطول ، وإنما وقع الإلماع بالبعض جريا إلى الاختصار ، وأمامه مارستان حفيل من بناء مجاهد الدين المذكور. وبنى أيضا داخل البلد وفي سوقه قيسارية للتجار ، كأنها الخان العظيم ، تنغلق عليها أبواب حديد ، وتطيف بها دكاكين وبيوت ، بعضها على بعض ، قد جلي ذلك كله في أعظم صورة من البناء المزخرف الذي لا مثيل له. فما أرى في البلاد قيسارية تعدلها.
وللمدينة جامعان : أحدهما جديد ، والآخر من عهد بني أمية. وفي صحن هذا الجامع قبة ، داخلها سارية رخام قائمة ، قد خلخل جيدها بخمسة خلاخل مفتولة فتل السوار من جرم رخامها ، وفي أعلاها خصة رخام مثمنة يخرج عليها أنبوب من الماء خروج انزعاج وشدة ، فيرتفع في الهواء أزيد من القامة كأنه قضيب من البلور معتدل ثم ينعكس إلى أسفل القبة. ويجمع في هذين الجامعين القديم والحديث ، ويجمع أيضا في جامع الربض. وفي المدينة مدارس للعلم نحو الست أو أزيد على دجلة ، فتلوح كأنها القصور المشرفة. ولها مارستان حاشا الذي ذكرناه في الربض.
وخص الله هذه البلدة بتربة مقدسة فيها مشهد جرجيس (١) ، صلى الله عليه وسلم ، وقد بني فيه مسجد ، وقبره في زاوية من أحد بيوت المسجد عن يمين الداخل إليه.
__________________
(١) جرجيس : معروف بالعربية باسم الخضر.