مناهل الطريق ، وليس بعدها إلى الكوفة منها مشهور إلا مشارع ماء الفرات. ومنها إلى الكوفة ثلاثة أيام ، وبها يتلقى الحاج كثير من أهل الكوفة ، وهم مستجلبون إليهم الدقيق والخبز والتمر والأدم والفواكه الحاضرة في ذلك الوقت. ويهنئ الناس بعضهم بعضا بالسلامة ، والحمد لله عز وجل ، على ما من به من التيسير والتسهيل حمدا يستوجب المزيد ، ويستصحب من كريم صنعه المعهود.
وبتنا ليلة الأربعاء السادس والعشرين بموضع يعرف بلورة ، وفيها مصنع كبير وجده الناس مملوءا فجددوا الاستسقاء ورفهوا الإبل. ثم أسرينا منها ، وأجزنا سحر يوم الأربعاء المذكور بموضع فيه آثار بناء يعرف بالقرعاء ، وفيه أيضا مصنع ماء ، وله ستة مخازن ، وهي صهاريج صغار ، تؤدي الماء إلى المصانع ، استقى الناس فيها وسقوا. وكثرت المصانع حتى لا تكاد الكتب تحصرها ولا تضبطها ، والحمد لله على منته وسابغ نعمته.
وبتنا ليلة الخميس بعده على مصنع عظيم مملوء ماء ، ثم نزلنا ضحوة اليوم المذكور بمنارة تعرف بمنارة القرون ، وهي منارة في بيداء من الأرض ، لا بناء حولها قد قامت في الأرض كأنها عمود مخروط من الآجر ، وقد تداخل فيها من الخواتيم الآجرية مثمنة ومربعة أشكال بديعة. ومن غريب أمرها أنها مجللة كلها قرون غزلان مثبتة فيها ، فتلوح كظهر الشيهم. وللناس فيها خبر يمنع ضعف سنده من إثباته. وعلى مقربة من هذه المنارة قصر ذو بروج مشيدة ، وبإزائه مصنع عظيم وجد مملوءا ماء ، والحمد لله على ما من به.
واجتزنا عشي يوم الخميس المذكور على العذيب ، وهو واد خصيب ، وعليه بناء ، وحوله فلاة خصيبة ، فيها مسرح للعيون وفرجة. وأعلمنا أن بمقربة منه بارقا. ووصلنا منه إلى الرحبة ، وهي بمقربة منه ، وفيها بناء وعمارة ، ويجري الماء فيها من عين نابعة في أعلى القرية المذكورة. وبتنا أمامها بمقدار فرسخ ، ثم أسرينا ليلة الجمعة الثامن والعشرين لمحرم المذكور نصف الليل واجتزنا على القادسية ، وهي قرية كبيرة ، فيها حدائق من النخيل ، ومشارع من ماء الفرات وأصبحنا بالنجف ، وهو بظهر الكوفة كأنه حد بينها وبين الصحراء ، وهو صلب من الأرض منفسح متسع ، للعين فيه مراد استحسان وانشراح. ووصلنا الكوفة مع طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور ، والحمد لله على ما أنعم به من السلامة.