المنصور ، زوج هارون الرشيد وابنة عمه ؛ انتدبت لذلك مدة حياتها ، فأبقت في هذا الطريق مرافق ومنافع تعم وفد الله تعالى كل سنة ، من لدن وفاتها إلى الآن. ولو لا آثارها الكريمة في ذلك لما سلكت هذه الطريق ، والله كفيل بمجازاتها ، والرضى عنها.
وفي ضحوة يوم السبت بعده ، نزلنا بموضع يعرف بالشقوق ، وفيه مصنعان ألفيناهما مملوءين ماء عذبا صافيا. فأراق الناس مياههم ، وجدّدوا مياها طيبة ، واستبشروا بكثرة الماء ، وجددوا شكر الله على ذلك. وأحد هذين المصنعين صهريج عظيم الدائرة كبيرها لا يكاد يقطعه السابح إلا عن جهد ومشقة. وكان الماء قد علا فيه أزيد من قامتين. فتنعم الناس من مائه سباحة ، واغتسالا ، وتنظيف أثواب ، وكان يومهم فيه من أيام راحة السفر. ومن لطائف صنع الله تعالى بوفده وزوار حرمه أن كانت هذه المصانع كلها عند صعود الحاج من بغداد إلى مكة دون ماء ، فأرسل الله من سحب رحمته ما أترعها ماء معدا لصدر الحاج ، فضلا من الله ، ولطفا بوفده المنقطعين إليه.
ورحنا من ذلك الموضع المذكور وبتنا بموضع يعرف بالتنانير ، وكان فيه أيضا مصنع مملوء ماء. وأسرينا منه ليلة يوم الأحد الثالث والعشرين لمحرم ، واجتزنا سحرا بزبالة ، وهي قرية معمورة ، وفيها قصر مشيد من قصور الأعراب ومصنعان للماء وآبار ، وهي من مناهل الطريق الشهيرة. ونزلنا عندما ارتفع النهار من اليوم المذكور بالهيثمين ، وفيها مصنعان للماء ، ولا نكاد نمر بحول الله يوما بموضع إلا والماء يوجد فيه ، والشكر لله على ذلك. وبتنا ليلة الاثنين الرابع والعشرين لمحرم المذكور على مصنع مملوء ماء ، فسقى الناس بالليل واستقوا. وهذا الموضع هو دون العقبة المعروفة بعقبة الشيطان. ومع الصباح من يوم الاثنين المذكور صعدنا العقبة ، وليست بالطويلة الكؤود ، ولكن ليس بالطريق وعر غيرها ، فهي شهيرة بهذا السبب. ونزلنا عند ارتفاع النهار على مصنع دون ماء ، وأجزنا مصانع كثيرة ، وما منها مصنع إلا وجانبه قصر مبني من قصور الأعراب ، والطريق كلها مصانع. ورضي الله عن التي اعتنت بسبيل وفد الله هذا الاعتناء.
ثم نزلنا ضحوة يوم الثلاثاء بعده بواقصة. وهي وهدة من الأرض منفسحة فيها مصانع للماء مملوءة ، وقصر كبير وبإزائه أثر بناء. وهي معمورة بالأعراب ، وهي آخر