العذريين. ثم أقلعنا ظهر يوم الثلاثاء المذكور على العادة ونزلنا بالبيداء مع العشاء الآخرة ، ثم أسرينا منها ونزلنا ضحوة يوم الأربعاء بزرود ، وهي وهدة في بسيط من الأرض فيها رمال منهالة ، وبها حلق كبير داخلة دويرات صغار هو شبيه الحصن ، يعرف بهذه الجهات بالقصر. والماء بهذا الموضع في آبار غير عذبة ، فنزلنا ضحوة يوم الخميس الموفي عشرين لمحرم ، والثالث لمايه ، بموضع يعرف بالثعلبية. ولها مبنى شبه الحصن خرب لم يبق منه إلا الحلق ، وبإزائه مصنع كبير الدور من أوسع ما يكون من الصهاريج وأعلاها ، والمهبط إليه على أدراج كثيرة من ثلاث جهات ، وكان فيه من ماء المطر ما عم جميع المحلة. ووصل إلى هذا الموضع جمع كثير من العرب ، رجالا ونساء واتخذوا به سوقا عظيمة حفيلة للجمال والكباش والسمن واللبن وعلف الإبل ، فكان يوم سوق نافقة.
وبقي من هذا الموضع إلى الكوفة من المناهل التي تعم جميع المحلة ثلاثة : أحدها زبالة ، والثاني واقصة ، والثالث منهل من ماء الفرات على مقربة من الكوفة. وبين هذه المناهل مياه موجودة لكنها لا تعم ، وهذه الثلاثة المذكورة هي التي تعم الناس والإبل وهي التي تردها رفها. وفي هذا المنهل الذي للثعلبية شاهدنا من غلبة الناس على الماء أمرا هائلا ، لا يكاد يشاهد مثله في تغلب المدن والحصون بالقتال. وحسبك أن مات في ذلك الموضع ، ضغطا بشدة الزحام وغطا تحت الماء بالأقدام ، سبعة رجال بادروا لمورد الماء فحصلوا على مورد الفناء ، رحمهم الله وغفر لهم.
وفي ضحوة يوم الجمعة بعده نزلنا بموضع يعرف ببركة المرجوم ، وهي مصنع وقد بني له فيما يعلوه من الأرض مصب يؤدي الماء إليه على بعد ، وأحكم ذلك إحكاما يدل على قدرة الاتساع وقوة الاستطاع. ولهذا المرجوم المذكور مشهد على قارعة الطريق ، وقد علا كأنه هضبة شماء ، وكل مجتاز عليه لا بد أن يلقي عليه حجرا. ويقال : إن أحد الملوك رجمه لأمر استوجب به ذلك ، والله أعلم. وبهذا الموضع بيوت كثيرة للعرب. وبادروا للحين بما لديهم من مرافق الأدم يبيعونها من الحاج. وكان هذا المصنع مملوءا من ماء المطر ، فغمر الناس وعمهم ، والحمد لله. وهذه المصانع والبرك والآبار والمنازل التي من بغداد إلى مكة هي آثار زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر