قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

تحمیل

تذكرة بالإخبار عن اتّفاقات الأسفار

162/303
*

ومستنقعات وبرك ، وتبايع العرب فيها مع الحاج فما أخرجوه من لحم وسمن ولبن ، ووقع الناس على قرم وعيمة (١) ، فبادروا الابتياع لذلك بشقق الخام التي يستصحبونها لمشاراة الأعراب لأنهم لا يبايعونهم إلا بها.

وفي ضحوة يوم السبت بعده نزلنا بالجبل المخروق ، وهو جبل في بيداء من الأرض ، وفي صفحه الأعلى ثقب نافذ تخترقه الرياح. ثم رحنا من ذلك الموضع وبتنا بوادي الكروش على غير ماء ، ثم أرينا منه وأصبحنا على فيد يوم الأحد ، وهي حصن كبير مبرج مشرف في بسيط من الأرض ، يمتد حوله ربض يطيف به سور عتيق البنيان. وهو معمور بسكان من الأعراب ، ينتعشون مع الحاج في التجارات والمبايعات وغير ذلك من المرافق. وهناك يترك الحاج بعض زادهم ، إعدادا للإرمال من الزاد عند انصرافهم ، ولهم بها معارف يتركون أزودتهم عندهم. وهذا نصف الطريق من بغداد إلى مكة على المدينة ، شرفها الله ، أو أقل يسيرا ، ومنها إلى الكوفة اثنا عشر يوما في طريق سهلة طيبة ، والمياه فيها بحمد الله موجودة في مصانع كثيرة. ودخل أمير الحاج هذا الموضع المذكور على تعبئة وأهبة ، إرهابا للمجتمعين به من الأعراب لئلا يداخلهم الطمع في الحاج ، فهم يلحظونهم مستشرفين مكانهم لكنهم لا يجدون إليهم سبيلا ، والحمد لله. والماء بهذا الموضع كثير في آبار تمدها عيون تحت الأرض ، ووجد الحاج فيها مصنعا قد اجتمع فيه الماء من المطر ، فانتزف للحين ، وامتلأت أيدي الحاج القرمين من أغنام العرب بالمبايعة المذكورة ، فلم يبق مضرب ولا خيمة ولا ظلالة إلا وجانبها كبش أو كبشان ، بحسب القدرة والوجد. فعم جميع المحلة غنم العرب. وكان ذلك اليوم عيدا من الأعياد ، وكذلك عمتهم أيضا جمالهم لمن أرد الابتياع منهم من الجمّالين وسواهم للاستظهار على الطريق. وأما السمن والعسل واللبن فلم يبق إلا من تحمل أو استعمل منها بقدر حاجته.

وأقام الناس يومهم ذلك مريحين بها ظهر يوم الاثنين بعده ، ثم أسروا نصف الليل ترتيب سيرهم المذكور قبل ، ونزلوا ضحوة يوم الثلاثاء الثامن عشر لمحرم ، وهو أول يوم من مايه ، بموضع يعرف بالأجفر ، وهو مشتهر عندهم بموضع جميل وبثينة

__________________

(١) القرم : شدة اشتهاء اللحم. والعيمة : شدة اشتهاء اللبن.